البث المباشر الراديو 9090
الكاتب الصحفي أحمد عنتر
أنا ملك التمزيق، أمزق كل رأي لا يعجبني لكني لا أعادي صاحبه، فالعداء في تلك الحالة ديكتاتورية مقيتة، أنت أمامي حر فيما تعبر وترى إلا عند حدود وطني، عندها أنا مستعد لمعاداتك ومجابهة قولك والتصدي لفكرك وأغراضك.. أنت حر في رؤيتك لكل الأشياء إلا فيما يمس البلاد وشعبها، وأنا سائر الآن في حب تلك البلاد، مؤمن حتى بأزماتها، محبا لها، كالوليد الذي يميز أمه بلا دافع حتى لو كانت مشوهة الملامح، غامضة الأثر.

قبل 11 عاما كان حلمي أن يفيق الوطن، ولأن للأحلام رجال تحقق ذلك الحلم في 30 يونيو 2013 رغم تعسف بقية الأحلام.. عندما خطوت بين البشر الثائرين هالني بريق الوجد الوطني المتدفق داخل الميادين.. مشية منضبطة أو ثائرة، مُحبة للوطن غاضبة لأجله، سير هادف من الجموع بلا توتر، ألبسني ثياب الجدية، لكني لم أكن أتصور وقتها أني سأصنع مع الملايين الثائرة تاريخي وتاريخ جيل مرق من بين ظلمات الحكم الإخواني، صنعناه جميعا على عيوننا من ثوب الوطن نفسه، كانت تلك المشاعر هائجة في نفوسنا جميعا، في واد من الرغبة الشعبية حيث تداركتني المعرفة وأدركني الحنين لبلادي الحقيقية المحرَرة النقية.


ثورة بناء وطن

11 عاما كاملة تمر اليوم على ثورة 30 يونيو، وأنا لا زلت خائفا على بلادي من نفسها، فالاستهداف قائم من داخلها، إذ تتفجر من بين شوارعها روائح العفن السياسي، لأطراف لا تريد الخير لها، تريد تفكيكها وكسر شوكتها، لأنها السند الوحيد في منطقة يأكل فيها القوي الضعيف ويواجه فيها البشر كلاب الاحتلال والاستعمار، فأتت الثورة لتغيظ العدو وتنذره خارجيا، بينما كان مكتسبها داخليا أنها «طوق نجاة» من حكم كاد يقودها إلى التهلكة.

ثورة 30 يونيو أتت من بين رغبات الشعب، أتت راغمة لتبني وطنًا، وتخلق أملا، تصنع جسرا إلى الأمان، وتشيد سدا ضد «سماسرة الأوطان» وسارقي الأحلام، ليظل البناء طوال 11 عاما، رغم إرهاق الرحلة، معبرا عن معركة حياة أو موت حقيقية في حب مصر على جميع الجبهات.

وأنا هنا أسوق مشهد المواجهة في 30 يونيو من حيث خروج المصريين إلى الشارع رفضا للاستبداد والفساد، أسوقه إلى ذات الخروج إلى صالح البلاد في أزماتها، والوقوف مع تراب الوطن في جهاد رجاله ضد الأزمات، إنما ذلك كله ما هو إلا من الأصل الأصيل المتمثل في رغبة الشعب في أن يمتلك مقدراته ويحكم السيطرة على دولته سواء في ساحة الثورة أو ميدان العمل.


مسؤولية وطنية وأخلاقية

في 10 أشهر من حكم الجماعة، كانت الصدور لاهبة غاضبة، فخرج "تمرد" مشحون بتوقيعات ومطالبات، بل حددت الحركة الشعبية يوم 30 يونيو موعدا لانتهاء المهلة للاستجابة لهذه المطالب، ودعت الموقعين للتظاهر بعد انتهاء المهلة إذا لم تتم الاستجابة، فكان التجاهل الفظ والاحتماء بالإرهاب.

الغضب يتصاعد والبلاد مهددة باشتعال، ليصدر في 23 يونيو الفريق أول عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع، آنذاك، بيانا يعلن فيه أن القوات المسلحة تجنبت خلال الفترة السابقة الدخول فى المعترك السياسى إلا أن مسؤوليتها الوطنية والأخلاقية تجاه الشعب تحتم التدخل لمنع انزلاق مصر فى نفق مظلم من الصراع والاقتتال الجارى والفتنة الطائفية وانهيار مؤسسات الدولة، ودعا إلى إيجاد صيغة للتفاهم وتوافق المصالح خلال أسبوع من هذا التاريخ.

وفي أول يوليو، أصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة بيانا ذكرت فيه أنه من المحتمل أن يتلقى الشعب ردا على حركته وعلى ندائه، داعية كل طرف أن يتحمل قدرا من المسؤولية، وأمهلت الجميع 48 ساعة لتلبية مطالب الشعب.

وفي النهاية ألقى السيسي في 3 يوليو، بيانا أعلن فيه خارطة طريق سياسية للبلاد، اتفق عليها المجتمعون، تتضمن تسليم السلطة لرئيس المحكمة الدستورية العليا، وسرعة إصدار قانون انتخابات مجلس النواب، وإنهاء رئاسة الإخوان لحكم مصر.

 

معركة إعمار وطنية ضد طمس الهوية

مسيرة البناء الشعبية بدأت على عجل بعد 30 يونيو تحت قيادة وطنية واعية، تحميها قدرة جيش وقوة شرطة، بذل الرجال فيهما الأرواح والدماء من أجل الحفاظ على مقدرات مصر عبر محاصرة الإرهاب ووقف انتشاره وملاحقته أينما كان.

الرئيس عبدالفتاح السيسي تحدث، في كلماته بشأن الصيحة الشعبية التاريخية، عن ذلك القتال من أجل مصر سواء بالثورة أو بعدها، مشددا على أن ثورة 30 يونيو قضت على كل المحاولات المستميتة لطمس الهوية الوطنية.

في كل كلماته عن الحدث المجيد كان الرئيس يؤكد أن جماهير الأمة خلال الثورة سطرت بإرادتها ملحمة خالدة للحفاظ على هوية الوطن، مدركا أن هناك محاولات من المغرضين الكارهين للسطو على مكتسبات تلك الثورة وتشويه مكاسبها.

وإنني في مقالي هذا ومقامي هذا، مصمم على الانحياز لوطني، حتى لو تعرضت للتقريع أو السباب.. أنا منحاز له، لأن هناك من يقاتل في صفوف أعدائه، وهذا قدري وموقفي الذي حملته على يدي ككل محب غيور على بلاده، والرجال - كما علمني أبي – أقدار ومواقف.

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز