البث المباشر الراديو 9090
حنان أبو الضياء
ذات صباح، استيقظت مصر على أبناء لم ترهم منذ أمد بعيد... الأول قرر إرسال مدخراته إلى مصر عبر القنوات الشرعية، لم يفكر ولو لثوان في فرق العملة، مقتنعا أن البركة في الرزق أهم من الرزق نفسه، ومتذكرا أن يد الله مع الجماعة، وأن عليه السعي وما دون ذلك فمن عند الله.

قال سبحانه: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب} «الطلاق» يقول ابن كثير: "يرزقه من جهة لا تخطر بباله"، وقال ابن عباس: "من حيث لا يرجو ولا يأمل"، أما التقوى التي تستجلب بها الأرزاق، وتتنزل بها البركات فهي التي عرفها على -رضي الله عنه- بأنها: "الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل".

الابن الآخر باع بضاعته بهامش ربح معقول، ولم يتاجر بأزمات الناس وحاجاتهم إلى تلك السلع، موقنا أن الرزق الحلال خيرا وأبقى، وأن المكسب البسيط والمستمر يحقق الثروة الحقيقية التي يحلم بها، ويكسب الدارين، الدنيا والآخرة ويبارك الله في ماله فلا يضيع في مرض أو ابن عاقا يضيع ما جمعه من دم الناس.

فإذا تجاوز الربح قيمته في السوق والواقع فهو غبن مضر بالمشتري، وإن كان أقل من قيمته فهو بخس مضر بالبائع؛ وكلاهما في الإسلام لا يجوز؛ لعموم قولهﷺ: "لا ضرر ولا ضرار".

ابن ثالث قرر التوقف عن الاتجار في السوق السوداء والمكسب من إشعال سوق العملة، وبحث عن استثمار ماله بشكل يربو عند الله وبين الناس، فلم يعد يتلفت يمينا ويسارا خشية افتضاح أمره، أو تذبذب الأسواق فتضيع أمواله، وأصبح ينام قرير العين لا يخشى شيئا، فلا يصاب بأمراض القلق والخوف، المميتة.

ابن رابع بحث عن عمل حقيقي وباع التوك توك، وترك التجارة الموازية على الأرصفة وفي وسائل المواصلات، فضمن عندما يكبر معاش يغنيه ذل السؤال وتأمين اجتماعي وصحي.

ابن خامس توقف عن الإفتاء في كل صغيرة وكبيرة، في ما يعلم وما لا يعلم، وتذكر حديث الرسول الكريم، قال صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع). فأنت لا تعلم كل التفاصيل وعلمك يقف على الظاهر، وكثيرا ما لا تملك القدرة على حل أمور لا تعلم عنها شيئا.

أيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)، فنال امتدح الله بقوله: {والذين هم عن اللغو معرضون} (المؤمنون: 3)، فمن صان لسانه عن فضول القول، سلم من انزلاقه فيما لا يحبه الله ويرضاه، وحمى منطقه من الغيبة والنميمة، ولذلك حث الشرع في مواطن كثيرة على لزوم الصمت إلا بما فيه ذكر الله تعالى، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، قال الله عز وجل: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس} (النساء: 114).

أما الابن الأكثر عقلا وبرا فقد قرار عمل ما عليه وبدأ بإصلاح نفسه أولا، فقرر عدم إضاعة وقته في الندب والصراخ والتشاؤم؛ فإن التشاؤم لا يغير القدر، ولكنه يقدح في الإيمان بالقدر، فالرسول صلى الله عليه وسلم من صفاته التفاؤل، وكان يحب الفأل ويكره التشاؤم، ففي الحديث الصحيح عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح: الكلمة الحسنة).

وأقر الأخذ بالأسباب؛ فعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا، وتعود بطانا، في هذا الحديث الشريف حث على التوكل مع الإشارة إلى أهمية الأخذ بالأسباب، حيث أثبت الغدو والرواح للطير مع ضمان الله تعالى الرزق لها.

السؤال متى يجيء هذا الصباح يا مصر ويصبح إيمان المصريين، "قول صدقه عمل".

 

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز