البث المباشر الراديو 9090
شنودة فيكتور
دينيا وروحيا، يخص شهر رمضان الكريم أخواتنا وأحبائنا المسلمين فى طقوسهم من "عبادات وصوم وصلوات"، أما عن الهوية والعادات والأفراح فيخص رمضان المبارك كل المصريين على اختلاف أديانهم "مسيحيين ومسلمين".


وحقا كما تغنى بها الفنان حسين الجسمى، عندما قال بتلك الكلمات والألحان البديعة "رمضان فى مصر حاجة تانية والسر فى التفاصيل".

نعم أحبائى فالسر فى تفاصيل رمضان، وأستأذنكم مستعرضا معكم اليوم سر هذه التفاصيل، بل وتلك الذكريات المصرية الرائعة فى هذا الشهر الكريم، والتى جعلت له مذاقا خاصا، شكل هذا الجزء الأصيل والكبير من هوية مصر، بل وامتزج مع هويتها المتفردة (الفرعونية والقبطية والإسلامية)، فجعلها هوية متميزة عن سائر الأمم والبلاد.

بداية، أجد نفسى سعيد الحظ بمولدى فى هذا الحى العريق "الظاهر"، بمنطقة وسط البلد بالقاهرة، هذا الحى يحمل بين طياته وشوارعه وسكانه تشكيلا مصريا أصيلا ساهم فى إظهار تلك الهوية المصرية الخالدة عبر الزمان.

فجنوب هذا الحى المتاخم لمصر التاريخية، من أحياء الحسينية وباب الشعرية والجمالية والدرب الأحمر والغورية والأزهر والحسين والسيدة زينب ووصولا لمصر القديمة.

أما عن شمال هذا الحى، فيتلامس على بعد كيلو مترات قليلة مع أحياء العباسية، وحدائق القبة ومصر الجديدة، فتكونت شخصياتنا وتفتحت بصيرتنا بهذا المزيج المتفرد بين ثقافة تلك الطبقة الوسطى، والتى ذاب فيها رحيق الماضى الجميل ونفحات التاريخ الحديث، فنرحل مترجلين أو بالسيارة فى تلك الأحياء، ونستنشق هواء مصرنا الغالية بضحكات وذكريات تطيب لها القلوب وتتعانق مع الوجدان، فأضحت لدينا تلك الحالة من التأقلم مع كل تلك الأجواء الرائعة من الجنوب للشمال، فى تلك المنطقة الوسطية (دينا وخلقا وطباعا) وروحا مرحة وخفيفة تغلب على الجميع بمختلف ثقافاته وميوله.

تفتحت عيناى على رمضان فى طفولتى فى سبعينيات القرن الماضى، فى جنبات وشوارع حى الظاهر العريق، فترى فيه تلك الفرحة على الوجوه وأنت حقيقة لا تعرف ولا تستطيع أن تفرق جورج عن مصطفى عن شنودة أو محمود أو احمد أو مريم أو فاطمة أو كريستين أو أمينة، حيث لا تميز سوى تلك البسمة وهذا الرضا الجميل، وأطفالا تلهو بالاستعداد للزينة من أوراق كراسات وكتب وجلاد العام الدراسى المنقضى، وآخرين يقرعون أبواب المنازل فى الشوارع المجاورة، لجمع جنيهات قليلة لإعطائها للكهربائى لعمل "عناقيد" الفرح بتلك المصابيح الملونة التى تضئ فى ليل رمضان المبهج الساحر بشوارع المحروسة.

كما نلهو بالكرة فى مداخل العمارات أو أمامها نقف عند بائع "الطرشى" والمخلل الشهير فى ميدان الجيش، والمخابز ومحلات الفول والطعمية نتسامر بعد الإفطار بضحكات من القلب بين الكبار والصغار ننتظر تلك الفوازير للأطفال من عمو فؤاد "فؤاد المهندس وجدو عبدو "عبد المنعم مدبولى"، ثم المبدعين " نيللى – شريهان – فطوطة سمير غانم)، وهناك ألف ليلة وليلة ومسلسلات من السبعينيات وحتى التسعينيات ما بين مسلسلات لا إله إلا الله وأحلام الفتى الطائر، وأبنائى الأعزاء شكرا، وصيام صيام والشهد والدموع وليالى الحلمية ورأفت الهجان وبوابة الحلوانى وأرابيسك، بالإضافة إلى يا تلفزيون يا لـ رمسيس والكاميرا الخفية وكلام من دهب.

كنا ننتظر هذا اليوم الذى كان يقيم فيه البابا شنودة مأدبة الإفطار بالكاتدرائية، ليتطور الأمر بعد ذلك، وتصبح مأدبة الأسرة المصرية كلها برعاية وحضور وتشريف الرئيس عبد الفتاح السيسى.

كبرنا فى رحاب تلك الأجواء، وتناقلت سنوات الدراسة، فهل علينا رمضان فى كل فصول السنة ولكل منها طابع يزيده بهجه ونور.

وتسير بنا مرحلة الشباب فى ليالى قهوة الفيشاوى فى الحسين، أو حفلات وتجمعات إفطار للأصدقاء والزملاء والأحباء فى كل مكان من أبسطها لفنادق على نيل القاهرة الساحر.

ولا أنسى أصدقاء أبى وجيراننا فى صلاة التراويح يسبقها ويتخللها الآذان، بتلك الأصوات المصرية الجميلة والمبهجة للجميع.

وتكررت مثل تلك الأيام كثيرا عندما يتعانق الصوم بالمسيحية مع شهر رمضان بين صوم الميلاد أو الصوم الكبير أو صوم السيدة العذراء مريم، بل وتتقابل الأعياد أيضا فى نفس الأسبوع، مثل هذا العام وأحيانا فى نفس الأيام ذاتها.

إنها مصر العظيمة المتألقة، حتى وإن كانت الأزمات شديدة فتذوب آلامها بمرور الأيام، وتبقى هى بشعبها الأصيل.

نعم أحبائى كان هذا ما أسعفتنى به ذكرياتى من رحيق تلك الأيام، ولايزال منها الكثير فى أيامنا، ربما نسيت تفاصيل وإن بقيت فى تشكيل الوجدان ورغم التطور والتقدم لكن نظل دائما فى رحاب أيام جميلة وذكريات عطرة فى كل ربوع مصر المحروسة كل عام وكل المصريين بخير وصحة.

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز