البث المباشر الراديو 9090
الكاتب الصحفي محمود بسيوني، رئيس تحرير جريدة أخبار اليوم
بدأت فرنسا في رفع حالة التأهب بعد هجمات موسكو الإرهابية وسقوط أكثر من 100 ضحية في حفل موسيقى، والسبب توقعات بأن تشهد باريس هجمات إرهابية خلال دورة الألعاب الأوليمبية في الصيف المقبل، ويراها البعض هدفا مناسبا لهجمات تنظيم ما يسمى بداعش خرسان في قلب أوروبا تظهر قوة تنظيم داعش وتؤكد للعالم أنه لا يزال حيا بعد سقوط دولته في العراق والشام.

اتفق العالم أن الصراع مع الإرهاب أكبر من المواجهة الأمنية، وأن المواجهة الفكرية وتجفيف منابعه الفكرية والدينية هي الأساس، إلا أن الأخطر هو التوقف عن التلاعب بالتنظيمات المتطرفة وتوظيفها في الصراعات السياسية، ولذلك لم أكن مستغربا من موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حينما اتهم أوكرانيا بالوقوف وراء العمل الإرهابي، وهي مقاربة منطقية بعد القبض على الإرهابيين خلال هروبهم باتجاه الحدود الأوكرانية عقب الهجمات.

أيضا المعلومات المتعلقة بالتحذيرات الأمريكية المسبقة لرعاياها بعدم التواجد في حفلات موسيقية في موسكو قبل الحادث بأسابيع وهو أمر مرتبط بتوافر معلومات لدى الأجهزة الأمنية بوجود هجمات إرهابية وباختراقات تتم داخل تلك التنظيمات، لكن التحذيرات حينما يتم الإعلان عنها تكون مبهمة وقد لا تعطى إنذارا حقيقيا لأجهزة الأمن.

الإرهاب هو المارد الذي ظهر قبل 800 سنة وفق رؤية مشوهة للدين وللعلاقة مع الله، لا تختلف عقيدة الحشاشين عن تنظيمات إرهابية معاصرة مثل داعش أو الإخوان، كلهم استخدموا الدين والعلاقة مع الله في دفع اتباعهم إلى القتل والوصول إلى الجنة، كان حسن الصباح في نظر اتباعه هو صاحب مفتاح الجنة، وكذلك حسن البنا وبن لادن والبغدادي، ولا أبالغ أنهم ابتدعوا دين خاص بهم يختلف عن أي دين سماوي آخر.

في عقيدة الحشاشين تقدم الإمام على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فهي ترى أن مقام النبوة وقتي أما الإمامة فهو باقية وسرمدية وربطت معرفة الله بمعرفة الإمام في الأصل، وأن شخص الإمام متقدم على شخص النبي.

وقدمت الحركة مبررات لأي فعل غير أخلاقي يرتكب بواسطة اتباعها وربط ذلك بانتصار قضيتهم فهم لا يراعون أي حرمة اجتماعية ولا تحكم حركتهم أي قواعد أخلاقية حتى لا تمثل عائقا أمام اتباعهم خلال تنفيذ المهام التي يكلفهم بها الإمام أو شيخ الجبل حسن الصباح.

كما أسست الإخوان لمنهج استخدام العنف عبر كتابات سيد قطب أحد منظريها والذي فتح كتابه "معالم في الطريق" الطريق أمام استخدام الإخوان والجماعات المتطرفة التي خرجت من عباءتها بشرعنة ذلك العنف دينيا بحديثه عن جاهلية المجتمع وحاكمية الله والجهاد الهجومي "الغزو" الهادف لتحرير البشر والتغيير العنيف ودار الإسلام ودار الكفر.

ويعتبر قطب أن "العالم يعيش اليوم كله في جاهلية من ناحية الأصل الذي تنبثق منه مقومات الحياة وأنظمتها جاهلية لا تخفف منها شيئا هذه التيسيرات المادية"، وأضاف أن هذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض وعلى أخص خصائص الألوهية وهي الحاكمية، وتسند الحاكمية إلى البشر في صورة ادعاء حق وضع التصورات والقيم والشرائع والقوانين والأنظمة والأوضاع بمعزل عن منهج الله للحياة وفيما لم يأذن الله به، مرجعا فكرة جاهلية المجتمع إلى ادعاء الاعتداء على سلطان الله وحاكميته في الأرض، وهو ما أعطى المبرر الأساسي لتكفير جميع المجتمعات الإسلامية والمشروعية لاستخدام العنف الممنهج الذي لا يستثني أحدا سوى الذين يؤمنون بتلك الفكرة، وهو الأمر الذي رأينا تجسيده الواقعي منذ أن أسس شكري مصطفى جماعة التكفير والهجرة وامتدت حلقاته إلى أن وصلت لتنظيمات "القاعدة" و"داعش".

ورغم وضوح أدبيات التنظيمات الإرهابية وتهديدها الواضح للنظام العالمي تجاهلت منظمات دولية ومراكز أبحاث وتفكير ونشطاء لتلك الحقائق، وتمكنت الجماعة من اختراقهم وتحوليهم إلى جنود في جيش المرشد، كما استغلت الجماعة مبكرا الفجوة المعرفية بين الغرب والشرق وصنعت لنفسها وجه غربي يتحدث بأكثر من لسان عبر رجالها المنتشرين في العواصم الكبرى والمؤثرة، مع التركيز على وجود قنوات اتصال مع مراكز التفكير والمعاهد البحثية التابعة للاستخبارات الغربية، فيما يمكن اعتباره اتصال غير مباشر بين الجماعة وتلك الأجهزة.

ومع الأسف فقد قدم الغرب تسهيلات عديده لتلك التنظيمات، بل وتجاهلت التحذيرات من التعامل معهم باعتبارهم معارضة سياسية وتجاهل انتمائهم لتنظيم إرهابي قائم على العنصرية ويقوم بتوظيف الدين وتجنيد الأتباع عبر وسائل التواصل الاجتماعي وهو ما حدث في هجمات موسكو الأخيرة، فمن قام بالهجوم شباب تلقوا تعليمات وأموال عبر تطبيقات إلكترونية دون معرفة من يقوم بتوجيههم في عملية استغلال لجهل هؤلاء الشباب بالدين وأصوله وتعاليمه.

وربما الجدل الحميد حول مسلسل الحشاشين، وهو الإنتاج العربي الأضخم وتصدت له الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، لقد وضعت يدها على بيت الداء وألقت بحجر ضخم في مياه راكدة لقرون حول جذور، وأسباب الظاهرة واهتمام الشباب العربي بالمسلسل وأحداثه وتفاصيله وأبطاله يقول إن الرسالة المصرية نجحت في الوصول إلى هدفها، أننا نرى الآباء المؤسسيين لتنظيم الإخوان والقاعدة وداعش، القتل من أجل الجنة ولذة الوصول إلى الحور العين، من أمر بقتل الأبرياء في حفل موسيقي بموسكو حفيد من أمر بقتل مؤذن أصفهان.

الحشاشين هو الصيحة الدرامية المصرية من أجل إنارة العقول المظلمة حول العالم بعد تحذير الرئيس عبدالفتاح السيسي، قبل سنوات من أن الإرهاب سيمتد إلى أوروبا نتيجة ما شهده الشرق الأوسط من فوضى ونتيجة ما تقوم به إسرائيل من مجازر ضد الفلسطينيين في قطاع غزة وحجم الغضب والمأسى البشرية، وهو ما يجعل مهمة التجنيد داخل التنظيمات سهلة ويسيره على أي قاتل مأجور يستخدم الدين لخدمه مصالحه أو أفكاره المميتة.

لن ينتهى الإرهاب من العالم قبل أن يتحد ضد الحشاشين في كل عصر وزمان.

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز