البث المباشر الراديو 9090
الكاتب الصحفي محمود بسيوني، رئيس تحرير جريدة أخبار اليوم
احتفلت الأمم المتحدة خلال الأسبوع الماضي باليوم الدولي لمكافحة استغلال الأطفال كجنود، وإطلاق الأمم المتحدة لدعوتها بمناسبة الذكرى الواحد والعشرين على اعتماد البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل لتجريم اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة أو المعروف بأوباك (OPAC)، وهى الاتفاقية التي تحدثت بوضوح عن خطر تجنيد الأطفال، واعتبرته اغتيال لبراءتهم داخل التنظيمات المسلحة سواء أيدولوجية سياسية أو دينية.

وأتصور أنّ تجنيد الأطفال في تنظيمات إرهابية لديها كيانات دولية عابرة مثل تنظيم الإخوان الإرهابي هو الخطر الكامن والسرطان المنتشر في جسد الدول العربية والمناطق المنكوبة بوجود ذلك التنظيم، ولا أبالغ إذا قلت إنّ مستقبل منطقتنا مرهون بقدرتنا على مواجهة أطفال الحزام الناسف المتواجدين بيننا ولكننا لا نراهم فهم خطر على الحاضر والمستقبل وربما تحتفظ الذاكرة بمشاهد بشعة لأطفال الجماعة وهم يحملون الأكفان في اعتصام رابعة المسلح وهو المشهد المؤسف الذى نددت به منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" وقالت في بيان رسمي إنّ الأطفال لا يجب استخدامهم لأغراض سياسية ولا يجب أنّ يتعرضوا أو يشهدوا أحداث العنف لما لهذه الأفعال من آثار جسمانية ونفسية مدمرة طويلة الأمد على الأطفال.

ماذا ننتظر من طفل يتم تعبئه عقله بكراهية وطنه ومؤسسات دولته؟ وينشأ على عقيدة تنظيم يقدم نفسه للناس على أنه الدين الصحيح، وأنّ المجتمع الذى يعيش فيه هؤلاء الأطفال كافر وأنّ التنظيم هو الفرقة الناجية الوحيدة، وأنّ انتمائه للتنظيم وتقديسه لقيادته أمر إلهى وأن طاعة أوامرهم أيا كانت دموية أو تخريبية هي تقرب إلى الله.

للتنظيم تاريخ طويل من العمل على تجنيد الأطفال في مدارس دينية في الحضر، وأنّ كان تركيزه الأكبر على تجنيد أطفال القرى عبر كتاتيب تحفيظ القرآن، وملاعب كرة القدم ومؤخرًا صالات الجيم، التنظيم يلتهم براءة الطفولة من أجل صناعة مسوخ لا تستعمل عقلها لتحقق أهداف التنظيم، يتم تربية هؤلاء الأطفال على التضحية من أجل التنظيم واحتقار الحياة الدنيا، والدليل على ذلك ما حملته سطور التحقيقات مع قيادات التنظيم وأمراء الجماعات الإرهابية الخارجين من عباءه التنظيم حول أساليب التجنيد عبر الاستخدام المشوه للدين الإسلامي وإقناع الأطفال بأن التنظيم الإرهابي هو الإسلام واتباع تعليمات المرشد هي بوابة الجنة الوحيدة.

ينشأ الطفل في معسكرات الجماعة أو لقاءات الأسرة الإخوانية على تلك الأفكار الأحادية، فكل من لا ينتمى إلى التنظيم أو يؤيده كافر، ومن ثم يصبح الآخر الديني عدو والتعصب منهج حياة وممارسة الإرهاب ضد المسيحيين وتفجير كنائسهم عمل مشروع وممارسة الاغتيال والإرهاب وقتل الناس في الشوارع من أجل أنّ يحكم التنظيم هي الغاية الأسمى التي يعيش من أجلها.

غسل أدمغة الأطفال بدأ مع نشأه التنظيم الإرهابي عام 1928، وكان الهدف منه ضمان سيطرة التنظيم على الأجيال الجديدة بخلاف أنّ التأثير على صغار السن هو الأسهل هو الأفضل لضمان ولائهم عند الكبر وهو ما يدعم عملية تمكينهم من المجتمع واستمرارها مع العصور المختلفة وضمان لبقاء التنظيم في ظل الملاحقات الأمنية المستمرة. 

وتتطابق عمليات التجنيد في التنظيمات الدينية، فهي تبدأ بالاقتراب واختيار العناصر ثم تبدأ عمليات غسل الأدمغة داخل المدارس المسيطر عليها من جانب التنظيم أو من خلال المعسكرات ثم تطور الأمر وأصبح عبر وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية.

الصحافة الفرنسية اقتربت من الموضوع خلال النقاش الدائر حول إحدى المدارس الإخوانية بمدينة ليل شمال فرنسا، وكانت تضمّ 823 طالبًا وطالبة، وتحوم حولها شُبهات تدريس التطرّف.

التحقيقات الرسمية كشفت أنّ مناهج المدرسة الإخوانية مُناهضة تمامًا للجمهورية الفرنسية، وتُروّج لنظريات تركز على تطبيق الشريعة وأفكار تتعارض مع برامج المدارس الفرنسية، وأن لدى المسؤولين عنها صلات معروفة بجماعة الإخوان المسلمين واتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا.

المدرسة تمّ افتتاحها عام 2003، باعتبارها مدرسة إسلامية ومن أجل المراوغة وإخفاء نوايا التنظيم على السلطات الفرنسية أطلقت عليها اسم العالم المجدد ابن رشد، وقد ارتفع عدد الطلبة من 15 طالبًا في البداية، إلى 150 طالبًا في 2011، ليصل لديها اليوم ما مجموعه أكثر من 800 طالب.

اعتمدت مناهج المدرسة على كتب مطبوعة لسلفيين وإخوان وتتضمن الدعوة الصريحة للجهاد المسلح، وتطبيق عقوبات القتل، وعدم الالتزام بالحريات الفردية ورفض الديموقراطية، أقدم الإخوان على القيام بذلك في الغرب فما بالك في الدول العربية ومصر، فالمراوغة والاحتيال والتقية هي أدوات التنظيم ولذلك أتوقع إصرارهم على تجنيد الأطفال رغم الملاحقات لانهم قوة ومستقبل التنظيم.

لقد أصبحت فكرة الانتماء لذلك التنظيم جريمة إنسانية واستغلالهم للأطفال وتنميطهم انتهاك صارخ ضد اتفاقيات الطفل الدولية ولا يقل خطورة عن استغلال الأطفال في النزاعات المسلحة وأعمال العنف، فهى اغتيال لبراءة الأطفال من أجل صناعة أجيال موتورة تكره فكرة الانتماء للوطن والولاء لترابه ولديهم حقد على المجتمع الذى أسقط حكمهم وهى تنشئة توفر تربة خصبة لأى تنظيم إرهابي أو جهاز استخباراتي معادى يسعى لتدمير الدولة من الداخل، وهو ما تحقق بالفعل في تنظيم القاعدة حيث تربت قياداته داخل الإخوان و داعش الذى ضم عناصر إخوانية عديدة.

لقد حان الوقت لاعتبار الانضمام لتنظيم الإخوان الإرهابي جريمة وتصنيفها قانونيا بأنها أحد جرائم التخابر، فالتنظيم في مصر والدول العربية امتداد لتنظيم دولي يسعى للتدخل في شؤون الدول، بالإضافة إلى صلاته المعروفة بأجهزة استخبارات تستخدم التنظيم كجماعه وظيفية لتحقيق أهدافها التخريبية، يكفي أن نعيد النظر في الدول العربية التي تفككت في وجود ذلك التنظيم.

حماية الدولة العربية الحديثة تحتاج لحسم معركتها مع التخلف الذى يمثله التنظيم والتخلص من أفكاره ومنع تداولها من جيل إلى جيل تحصين واجب للمستقبل. 

 

نقلا عن مجلة روزاليوسف.

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز