البث المباشر الراديو 9090
حسام الدين علي
لم تكن ثورة 30 يونيو، مفاجأة أبدًا، بل كانت ضرورة ملحة فرضتها الحالة التي عاشتها مصر منذ 2011، وبشكل خاص منذ مارس 2011.

في 19 مارس 2011 ظهر توظيف الدين الحقيقي لخدمة الفصيل السياسي، وعرفت مصر أن التصويت بنعم يدخل الجنة، وظهر المشايخ وأصحاب الذقون الطويلة، كنجوم لفضائيات حاصرت أسماعنا وأبصارنا يتحدثون عن غزوة الصناديق يوم أن قالت الصناديق نعم للشريعة.

حدث توجية للبسطاء حديثي العهد بالديمقراطية والانتخابات النزيهة والمشتاقين للتعبير عن رأيهم الغاضب من السلطة السابقة، عندما كانت الانتخابات تُجرى بطريقة صورية لا طائل من نتيجتها، ومع توجيه المساجد للبسطاء انعكس ذلك على التصويت في هذا الاستفتاء، الذي أوضح طريقة عمل وتوجيه وحشد التيار الديني بجناحيه الإخوان المسلمين والسلفيين للأنصار والمصوتين، وتكررت مليونياتهم كل جمعة مثل جمعة قندهار وغيرها.

ازداد الخلاف بين التيارات الدينية والقوى المدنية المختلفة، وزادت حالة الاستقطاب بين المصريين وخصوصا في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وتجلى ذلك في لجنة المائة التي انسحبت منها المجموعة المدنية، التي كان يقودها عمرو موسى، بسبب إصرار الأكثرية على الافتئات على حقوق الأقليات وعدم احترام معايير الحد الأدنى للدساتير الحديثة.

وتطور الخلاف إلى صراع كبير بين كل أطراف المجتمع، بعد أن وجد المصريون أنفسهم أمام حكم جماعة غير كفء، ليس لديها كوادر كافية، تمتلك خطابا عنصريا وعنتريا، ووجدنا رئيسا يدعو قتلة السادات لحضور احتفالات أكتوبر، وخطابا مليئا بالطائفية والعنصرية، وغابت المواطنة، ووجدنا أنفسنا أمام دستور يؤسس للدولة السنية وليس فقط الإسلامية في المادة 192 من دستور الإخوان، وإعلانا دستوريا يعطي صلاحيات الإله للرئيس وقراراته العنصرية، وكانت فترة افتقد فيها الإخوان المسلمون للإبداع فكانوا إذا ما ظهرت حركة تمرد اظهروا حركة تجرد.

الغليان امتد لكل القطاعات وتحولت صورة الشباب المتدين الوديع الذي تبتل لحيتهم بالدموع كلما وقف بين يدي الله، لصورة الشباب المتهور حامل العصي وعليها آثار دماء سقطت من رؤوس مخالفيهم، ولازلت أذكر الشاب الشهير الذي ظهر على الشاشات وقت مظاهرات الاتحادية وهو يقول «جبنة نستو يا معفنين».

وبعد سقوط قناع المثالية وظهور الوجه الحقيقي للجماعة ومشروعها التوسعي اللاديمقراطي، وانعكاسات ذلك على مسارات حركة التغيير السياسي في مصر وتونس واليمن وسوريا، وتحركات الجماعة في تركيا وغزة، أدرك المصريون ضرورة التغيير وبعد عام من الفشل باتت المواجهة وحتميتها مؤكدة.

وكأحد المشاركين في يناير 2011 ويونيو 2013، أستطيع الجزم بأن أعداد المصريين المشاركين في يونيو، كانت أضعافا مضاعفة عن تلك المشاركة في يناير، بل كانت مطالبها أكثر وضوحا وتركيزا عن مطالب يناير، لذا كان انحياز القوات المسلحة موضوعيا للغاية لأنها رصدت بدقة حجم الغضب والرفض الشعبي لاستمرار هذه الجماعة يوما واحدا إضافيا، وأن الشعب يدرك ما سيتكلفه هذا التغيير، فلجأ لجيشه ليحميه من هذه العصابة المتاجرة بالدين والمهددة لوحدته الوطنية التي تسعى لتغيير هويته الوسطية السمحة التي تقبل بالاختلاف.

وكانت القوات المسلحة المصرية، عند حسن ظن الشعب، وانحازت لتطلعاته وأوقفت مشروع التجهيل والأصولية الذي لم يكن ليتوقف عند حدود مصر وحسب، بل كان سيمتد لكل مكان في العالم.

ما زال طريق الديمقراطية طويلا وشاقا، وما زالت مصر متشبثة بالمضي فيه رغم الصعوبات التي يضعها الإرهابيون في الطريق.

في 30 يونيو تحية للشعب المصري الواعي وتحية واجبة للجيش المصري العظيم، الذي حافظ على هوية مصر وتحمل الكثير من اجل إنقاذ هذا الشعب من براثن التطرف والتخلف.

عاشت مصر حرة وأبية ووسطية ومستقرة ومنتصرة على قوى الظلام والإرهاب.

كل عام والمصريين بخير

المهندس حسام الدين علي

نائب رئيس كتلة الحوار.

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز