البث المباشر الراديو 9090
محمد مصطفى أبو شامة
وتتوالى بشائر الجمهورية الجديدة في شتى مجالات الحياة، وفى الوقت الذى شهدت فيه الشوارع والطرق ثورة تجديد شاملة استهدفت رسم خريطة عصرية لكل الأحياء المصرية، تتشكل بها جغرافيا راسخة تليق بـ«أم الدنيا»، يجرى أيضًا استعادة كرامة المواطن بتكثيف التحركات الإنسانية في الحوارى والعطوف والقرى والنجوع، عبر المشروع الاستراتيجي الأهم في تاريخ مصر، «حياة كريمة»، الذى يحفر بين الصخور بالتوازي طريق الأمل الذي ينطلق بالمصريين نحو المستقبل.

وبين الإنسان والمكان، والحياة الكريمة والعاصمة الجديدة، تشهد الجمهورية المصرية في كل ربوعها حراكًا ثقافيًا مُدهشًا، تجلى واضحًا في صور مُتعددة وفعاليات ناجزة تقف خلفها الدولة بقوة عبر الوسائل التقليدية مُمثلة في وزارة الثقافة وكل هيئاتها، أو من خلال تحفيز الشركات الخاصة، وتشجيعها على مُبادرات تُسهم في إثراء الحياة الثقافية والفنية، واستعادة قوة مصر الناعمة، ودورها الفاعل فكريًا وثقافيًا في محيطها العربي والإقليمي.

وكان العام البائس الذي اختطفت فيه جماعة الإخوان المارقة حكم مصر، قد كشف عن خلل ثقافي كبير تسببت فيه العصور السابقة، وربما كان هو أحد عوامل كثيرة أسهمت في تغلغل الدين السياسي، وإرباكه للعقل المصري، وترسيخ حالة التطرف الفكري التي تطور سطوعها في أجيال مُتتالية.

تسلمت دولة 30 يونيو المسئولية، وهي مُدركة أن معركتها الأولى هي معركة الوعي، فاستثمرت ثورة المصريين ضد الإخوان، والتي كانت نابعة من وعي بدأ يتشكل ويقظة وطنية عائدة بقوة، فتم تنفيذ خطط بارعة لرفع كفاءة الوعي للمصريين، وإعادة ضبط مؤشر الهوية الوطنية الأصيلة والمُمتدة جذورها لقرون من الزمان، واستعادة المواطن من الأسر الإلكتروني بتأسيس مظلات حماية ثقافية تحمي هويته الوطنية، وتحافظ على ثوابت الدولة المصرية من فوضى الشائعات، وعبث الأعداء المُستمر لإيقاف مسيرة التنمية، وتشييد الجمهورية الجديدة بمصر.

وتجلى حرص دولة 30 يونيو، على الثقافة باستمرار دعمها للكتاب، وتوفيره للجميع عبر منافذ هيئة الكتاب والهيئة العامة لقصور الثقافة برغم الارتفاع الجنوني لمُستلزمات صناعة الكتب، كما وفرت لمعرضه السنوي الشهير «معرض القاهرة الدولي للكتاب» فرصة حضارية، بنقل موقعه إلى أرض المعارض الجديدة في مركز مصر الدولي للمؤتمرات بالقاهرة الجديدة، فيما استمر دعم أنشطة المسرح والفنون بمختلف مجالاتها عبر كل منصات العمل الثقافي المُمتدة في كل ربوع مصر.

وأسهمت الشركة المتحدة، بدور رئيسي في مسيرة التنمية الفنية والثقافية بتشجيعها لبرامج المواهب وتوفيرها الفرص لشباب المبدعين في الغناء والتمثيل، وانتاجها الدرامي والسينمائي المميز والهادف.

واستعدادًا للمستقبل الذي تمثل «العاصمة الإدارية الجديدة» أهم ركائزه، كانت الثقافة حضارة بقوة على الطريق نحو الجمهورية الجديدة، حيث تم تشييد مدينة الفنون والثقافة في العاصمة الإدارية، وهى أكبر مدينة فنية وثقافية من نوعها في العالم وأقيمت على مساحة 127 فدانًا، وتم تصميم المدينة لتكون مركزًا ومنبرًا للثقافة العالمية، ومنارة للإبداع الفني والثقافي، وتضم دار أوبرا ومسرح وقاعة احتفالات كبرى تستوعب 2500 شخص مجهزة بأحدث التقنيات، كما تضم الأوبرا المسرح الصغير وهو عبارة عن قاعتين يستوعب المسرح 750 شخصًا، وتقام به العروض الخاصة، ومسرح الجيب الذى يستوعب 50 شخصًا، ومسرح الحجرة، ومركز للإبداع الفني، وقاعة العرض السينمائي، وثلاث قاعات للتدريب على الغناء والعزف، واستوديو تسجيل صوتي ملحق به ثلاث قاعات للمونتاج مجهزة بأحدث التقنيات العالمية، كما يضم المشروع متحفًا عن الأوبرا وتاريخها بمصر، ومتحف الفن الحديث يضم مقتنيات متنوعة لفنانين عالميين ومصريين، ومكتبة موسيقية، بالإضافة لمكتبة مركزية ومتحفًا للشمع يضم مجموعة من تماثيل كبار الشخصيات المصرية التاريخية.


وفي سياق حديثنا عن الثقافة والمستقبل، لا نجرؤ على تجاوز كتاب الدكتور طه حسين، «مستقبل الثقافة في مصر» المنشور سنة 1938، فهو دائما الهادي والمرشد لكل من يجمع بين الثقافة والمستقبل، وهو الكتاب الذى وصفه أشد معارضيه بأنه «كتاب عظيم»، هذا ما ذكره سيد قطب في كتابه المضاد «نقد مستقبل الثقافة في مصر»، قائلًا عن كتاب عميد الأدب العربي: «أنه بحث جامع متناسق شامل لمراحل الثقافة كلها»، وفى موضع آخر يضيف القيادي الاخواني: «هذا المؤلف دستور جامع للثقافة فى مصر».

وإعادة قراءة كتاب الدكتور طه حسين، بنظرة عصرية، تشجعنا لأحاديث ومناقشات أخرى عن حال التعليم في مصر، وربما نحتاج أيضًا لأن نتحدث عن التربية التي هي أساس الأسرة السعيدة في الجمهورية الجديدة.

محمد مصطفى أبو شامة

كاتب صحفي وأمين عام حزب الاتحاد.

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز