البث المباشر الراديو 9090
الدكتور القس أندريه زكي رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر
30 يونيو 2013 يوم عظيم في تاريخ بلادنا الحبيبة؛ نتعلم منه أن نثق بقدرتنا على التغيير، وإحداث الفارق في تاريخ الأمة وحاضرها ومستقبلها. لقد أثبت خروج الملايين للشوارع في هذا اليوم التاريخي أن مصر العظيمة لا تنهزم، وأنه في أعتى التحديات يكون الشعب المصري دائمًا قادرًا على أن يجد مخرجًا. وأن المخزون الحضاري لهذا الشعب لا ينفد ولا يجف.

إن ثورة 30 يونيو تحمل كثيرًا من الدلالات التي تستحق أن نمعن النظر والفكر فيها، لنستلهم منها ونتعلم كيف يستطيع المصريون أن يواجهوا التحديات والصعاب. نستلهم من معانيها الأمل في غدٍ أفضل، والعمل لأجل تحقيق هذا الغد الأفضل.

من أهم الدلالات التي حملها نزول ملايين المصريين في ثورة 30 يونيو هو سعي المصريين وإصرارهم على تحقيق دولة المواطنة؛ إذ حمل الخطاب السياسي فيما قبل 30 يونيو عدد من سمات الكراهية تجاه أي مختلف، وتأسس هذا الخطاب على ادعاءاتٍ تتنافى مع قِيَم التسامح وتهدِّد التماسك والسلم المجتمعيَّيْن.

وكشف هذا الخطاب عن وجهه العنيف في الأحداث التي تلت ثورة 30 يونيو، من اعتداءات طالت المجتمع المصري كله، وسقط فيها كثير من الشهداء جراء هذا العنف، وأحدث تخريبًا وهجومًا طال كافة أنحاء البلاد. لكن صمود شعبنا العظيم وتماسكه حال دون نجاح هذه المخططات العنيفة.

وفي خضم كل هذه المحاولات العنيفة كانت مصر ماضيةً في طريقها لبناء دولة المواطنة، التي يتمتع جميع مواطنيها بالمساواة أمام القانون، دون تفرقة، فاتخذت الدولة ما بعد 30 يونيو خطوات جادة في قضية المواطنة، فجاءت قرارات ترميم الكنائس المتضررة، وإعادتها أفضل مما كانت عليه، ثم صدور قانون دور العبادة، وتقنين أوضاع الكنائس، وغيرها من الخطوات والأحداث التي أكدت حرص الدولة المصرية على تفعيل المواطنة، ومعالجة قضايا عانت منها مصر على مدار عقود متصلة؛ وهذا الحرص استُلْهِم وتأسس على روح ثورة 30 يونيو العظيمة.

لهذا وبعد أحد عشر عامًا من البناء في هذا الملف، نستطيع أن نقول إن هدف تحقيق دولة المواطنة في مصر قد صار الآن أقرب بكثير مما كان عليه سابقًا، والعمل على تعزيز المواطنة هو عمل مجتمعي يشترك فيه الجميع لأجل الجميع لبناء الجمهورية الجديدة.

إن ما يميز مسار بناء المواطنة فيما بعد ثورة 30 يونيو هو خروج المواطنة من الإطار الضيق الذي يحصرها في المفهوم السياسي أو الشعارات، إلى ممارسات عملية يستوعبها العقل الجمعي، ويعمل في إطارها، وكان يوم 30 يونيو هو أحد الدلائل العظيمة على استيعاب العقل الجمعي المصري لأهمية المواطنة وضرورتها لاتخاذ أي خطوات أخرى في مسارات التنمية والتطوير.

وفي أيامنا هذه، ليس خفيًّا على أيٍّ منا حجم التحديات التي تواجهها بلادنا العزيزة؛ إذ تعقدت الظروف العالمية والإقليمية خلال السنوات الخمس الماضية تعقُّدًا كبيرًا، وعلا في العالم صوت الحرب والدمار، فأزاد اقتصاديات الدول أزماتٍ فوق الأزمات الناجمة عن تفشي باء كورونا وإجراءاته الصحية. إن التحديات الاقتصادية في يومنا هذا ليست سهلة، وتحتاج لحلول غير تقليدية، لكننا نؤمن بالله أولًا، وبقدرته العظيمة على تغيير الواقع، ونثق بقدرة الشعب المصري على التعامل مع كل هذه التحديات، ثم قدرة الدولة المصرية على قيادة الأمر بحكمة. وإلى جانب الثقة نعمل كلنا ونتكاتف ونتعاون في الأزمات ناظرين إلى هدف واحد مجيد، وهو عزة بلادنا، ورفعة شأنها ورقيها ورفاهتها.

ثورة 30 يونيو ليست حدثًا سياسيًّا تاريخيًّا فارقًا فحسب، بل هي درس عملي وتجسيد لقوة الشعوب وإرادتها؛ إذ عبَّر فيها الشعب المصري بصوت واضح عن تطلعه لمستقبل مجيد يكتبه بنفسه لبلاده العزيزة مستندًا على عزيمة صلبة ووعي وحضارة عريقة تمتد عبر آلاف السنين.

أحدثت ثورة 30 يونيو أثرًا عميقًا في مفهوم دولة المواطنة بمصر. ورغم التحديات، يظل الأمل مستمرًّا في قدرة المصريين على تجاوز الصعاب وبناء مستقبل مشرق.

نفتخر نحن المصريين بذكرى ثورة 30 يونيو، ونفتخر بانتمائنا لتراب هذا الوطن، ونتطلع ونصلي -بقلب واحد- دائمًا لأجل غدٍ أفضل.

الدكتور القس أندريه زكى

رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز