البث المباشر الراديو 9090
د.رانيا أبو الخير
أزمة الكهرباء يتراوح مداها الزمنى ويمتد تأثيرها الجغرافي ليشمل جميع ربوع الجمهورية وهو المحرك الأول لمختلف جوانب الحياة والمُشغل الرئيسي لكافة الشركات والمحلات والمؤسسات.

ولذا، فإن التذبذب في إدارته يترك تأثيره السلبى على حالة الرضا العام التي يجب أن تكون هدف الحكومة، إذ تبحث الحكومات دائما عن الرضا الجماهيري عن توجهاتها وسياساتها بشأن إدارتها لمختلف القطاعات، وخاصة تلك الأكثر مساسًا بحياة المواطنين.


وهنا يجب أن نقف على حقيقة تلك الأزمة وجوهرها وأسباب حدوثها، حتى نستطيع وضع الحلول المناسبة لها.
ويمكن قراءة هذه الأزمة ومحاولة البحث لها عن حلول من خلال عدة نقاط على النحو الآتي:
أولا- نتفق جميعا على أن رسم السياسات واتخاذ القرارات في العمل العام بصفة عامة والخدمي على وجه الخصوص يجب أن يكون في إطار القرار الأنسب وليس القرار الأفضل، بمعنى أن المسئول حينما يتخذ قراره يكون مبنياً على مدى اتفاقه مع الواقع وتحدياته، لأن المسئول لا يعمل في فضاء وإنما يعمل في إطار من القيود المفروضة على قراراته في ضوء الإمكانات المتاحة والتحديات التي يواجهها، فقراره هنا هو قراره الأنسب وليس الأفضل، لأن الأفضل يبحث عما يجب أن يكون وهذا هو المأمول. ولكن الواقع يفرض على المسؤول أن يختار الأنسب للظروف والأوضاع وما يحيط بهم من صعوبات وتحديات.

ثانيا- نتفق جميعا أيضًا على أن اتخاذ القرار الأنسب يجب أن يكون في إطار ما يُعرف بفقه الأولويات، بمعنى أن هناك احتياجات عديدة ومتطلبات متعددة ومتنوعة، تستوجب أن يتم وضعها في سلم من الأولويات مُرتبًا طبقا لمدى الاحتياج ومدى الضرورة التي يفرضها الواقع على متخذ القرار.


ثالثًا- في ضوء هذين المحددين، تأتى قراءتنا لسياسة الحكومة المصرية في إدارة أزمة انقطاع الكهرباء، إذ أنه بلا شك لا توجد حكومة في العالم لا تسعى إلى الحصول على رضا مواطنيها – كما سبق الإشارة- إلا أنها تواجه تحديات تفرض عليها في ضوء الإمكانات المتاحة ترتيب الأولويات، وهذا هو المشهد الذى نحن بصدده في أزمة الكهرباء، فحينما حدثت أزمة الحرب الروسية الأوكرانية وتلتها أحداث السابع من أكتوبر 2023 في حرب غزة، وما تبعها من تداعيات على كافة المستويات وخاصة حركة التجارة الدولية بشكل عام حيث ارتفعت مستويات الأسعار العالمية بسبب توقف بعض سلاسل التوريد العالمية سواء بسبب قرارات العقوبات الدولية على واحدة من أكبر دول العالم إنتاجا للوقود الإحفورى (روسيا)، أو بسبب تعطل بعض مسارات حركة التجارة كما هو الحال في البحر الأحمر.


أدى ذلك إلى ارتفاع مستويات أسعار السلع الضرورية (الغذاء والدواء) وهو ما استقطع جزءاً كبيراً من مداخيل الدولة من العملات الأجنبية لتلبية الحاجات الضرورية للمواطنين، مما أثر على حجم المشتريات من الطاقة المطلوبة لتشغيل المحطات الكهربائية فأثر ذلك على أداءها. هذا من جانب.


ومن جانب آخر، تراجع حجم توفير الاحتياجات الوطنية من الغاز الطبيعى من ناحية وتعطل بعض الحقول في دول الجوار من ناحية أخرى، وهو ما أثر بدروه أيضا على توفير هذه الاحتياجات المطلوبة لتشغيل المحطات بالكفاءة المطلوبة.


وهذا كله مع الارتفاعات غير المتوقعة في درجات الحرارة لمثل هذا التوقيت من العام، إذ عادة ما تكون هذه الارتفاعات خلال شهري يوليو وأغسطس وهو ما يجعل الحكومة لديها التقديرات لكيفية توفير الاحتياجات للتعامل مع هذه الارتفاعات في حينها، ولكن ما حدث هو أن الحكومة المصرية وجدت نفسها في معادلة مركبة من ثلاثة متغيرات طارئة (ارتفاعات في مستويات الأسعار العالمية للسلع الضرورية وللطاقة أيضا، توقف الإنتاج في حقوق بعض دول الجوار التي ترتبط باتفاقيات مع مصر في هذا الخصوص، ارتفاع درجات الحرارة في غير توقيتها)، وقد فرضت هذه المتغيرات على الحكومة المصرية إعادة ترتيب أولوياتها في ضوء الضروريات الأساسية للمواطن (الغذاء والدواء) مع إمكانية تحمل الانقطاع المؤقت في الكهرباء بشكل منتظم بحيث يراعي المواطنين ترتيب ظروفهم وأحوالهم بما يتماشى مع تلك الأزمة الطارئة التي ستجد لها حلول خلال الأيام القادمة كما وجه بذلك الرئيس عبد الفتاح السيسى مطالبا الحكومة بإيجاد حلول نهائية لتلك الأزمة.


نهاية القول إن تأثيرات انقطاع الكهرباء على حياة المواطن وظروفه وعلى المصانع والشركات والمحلات، تستوجب من الحكومة البحث عن حلول سريعة ونهائية تأخذ في اعتبارها التوفيق بين معالجة الأزمة وجذورها من ناحية، وتلبية الاحتياجات الضرورية للمواطنين من ناحية أخرى، وهو ما يضع مثل هذه الأزمة في مقدمة سلم أولويات الحكومة الجديدة المنتظر تشكيلها حتى تكتسب ثقة الشعب واحترامه.

 

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز