البث المباشر الراديو 9090
مصطفى كريم
على مدار تاريخ مصر الحديث، دائمًا ما كانت اجتماعات القوى والنخب السياسية تعج بالخلافات والاختلافات، تلك التي وصلت ـ خاصة قبل 30 يونيو ـ إلى حالة كارثية.

انتقلت السياسة من سلميتها إلى العنف ليس فقط اللفظي على شاشات ومنصات التواصل الاجتماعي، ولكن للعنف البدني والتهديدات المباشرة، والجميع يتذكر كيف كانت كل جمعة تحمل إلينا مصابين وجرحى بل وقتلى، تعمق الجراح وتنشئ جدارات عازلة بل وثأر دفين في النفوس بين أبناء الوطن الواحد.

ثم توالت السنوات بعد ثورة 30 من يونيو، وكان الهم الأكبر هو الحفاظ على كيان الدولة المصرية من محاولات بائسة لإسقاطها، فكان الاهتمام منصبًا على القضاء على هذا الإرهاب، ثم انتقلنا لمعركة البناء والتشييد إلى أن كان إفطار الأسرة المصرية، وإعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي انطلاق جلسات الحوار الوطني.

ذلك الحوار الوطني الذي أصل لمفهوم جديد على السياسة المصرية وهو "الحوار بديلًا عن الصراع"، ربما يبدو الحوار مناقضًا للفكر السياسي القائم على الخلاف والتنافس، ولكن ذلك ليس تناقضًا فهناك بون شاسع بين التنافس السياسي المحموم والمطلوب من أجل الوطن والمواطن، وبين الصراع السياسي الصفري الذي يؤدي بالنخبة والشعب والأوطان إلى الهلاك.

ذلك الحوار الوطني الذي بلور ملفات الدولة في 19 ملفًا عبر 3 محاور، فباتت كلمة "إدارة ملفات الدولة" مفهومًا واضحًا متعارفَا عليه، بعد أن كان كلامًا فضفاضًا يفهمه كل بطريقته الخاصة، وبشكل مخالف لرؤية الحكومة نفسها، فبات الجميع على "أرضية مشتركة" وإن اختلفت الرؤى فلا ضير في اختلافها حتى نرى نفس القضية من جميع زواياها وندرك حقيقة المشكلة من كافة جوانبها.

ذلك الحوار الوطني الذي كان استثنائيا منذ اليوم الأول، حيث جمع كل الأطياف السياسية دون إقصاء عدا تلك التي تلوثت يدها بدماء المصريين، أما دون ذلك فالجميع على مائدة الحوار الوطني، اليسار واليمين والوسط، المؤيد والمعارض، حتى المعارضين الذين دأبوا على المعارضة من خارج مصر كان الحوار الوطني مؤشرًا إيجابيًا لهم بأن مصر على الطريق نحو تحول ديمقراطي تاريخي واستثنائي، فعادوا إلى أرض الوطن، ليشاركوا في الحوار الوطني، كما كان الحال مع العديد من الذين أفرج عنهم بعفو رئاسي، فرأيناهم يجلسون على مائدة الحوار ويدلون بدلوهم في قضايا وطن لطالما كان لنا بيتًا كبيرًا يسعنا جميعًا طالما الاختلاف كان للوطن ومن أجل الوطن وحسب.

فشكرًا لمن دعا للحوار ومن آمن به ومن شارك فيه.

مصطفى كريم مساعد رئيس حزب الإصلاح والنهضة للسياسات

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز