البث المباشر الراديو 9090
أحمد محمود
بينما تقوم الحكومة الجديدة بحلف اليمين هذا الصباح أمام رئيس الجمهورية، لتبدأ مهام عملها في خدمة المواطن المصري، تبادر إلى ذهني سؤال ربما يطرحه الجميع، بمن فيهم الوزراء أنفسهم ورجال الدولة، هذا السؤال يتمحور حول أمنيات المواطن المصري من الحكومة الجديدة.

والحقيقة أن الاجابة على هذا السؤال ليست صعبة فقط، بل أنها ربما تكون شديدة التعقيد أيضا، فالأمنيات كثيرة ومتشعبة، بل ومتقاطعة أيضا، وكثيرا ما تبدو سهلة التحقيق، لكن كثيرا ما تأخذ سياسات الحكومات، تلك الأمنيات في مسار صعب، قد لا يشعر معه المواطن بأنه يحقق أمانيه.

فالمواطن العادي البسيط يرغب دائمًا في أن يشعر بالأمان، كافة أنواع الأمان، الأمان الوظيفي، الأمان الصحي، الأمان التعليمي، وأن يطمئن إلى توافر مستقبل آمن له ولذويه، يشعر معه بالراحة والقدرة على الحياة إلى آخرها بلا مخاوف.

والحقيقة أن الدولة ربما تكون قد نجحت في توفير أمان الشارع، بعد الأحداث السياسية التي مر بها الوطن، لكن الحكومات المتعاقبة في مصر منذ عام 2011 وحتى آخر حكومة قبل التشكيل الجديد، والتي رأسها الدكتور مصطفى مدبولي أيضا، اختارت الطريق السهل، المقلق للمواطن، رغم التصريحات بعكس ذلك.

اختارت الحكومات السابقة اللجوء لمؤسسات التمويل الدولية، للحصول على قروض تمكنها من القيام بالمشروعات الطموحة الكبرى، وهو أمر زاد من مخاوف المواطن، ذلك أنه بينما تتمتع مؤسسات التمويل الدولية بسمعة استعمارية لدى المواطن، فإن المشروعات الكبرى التي ساهمت في خلق فرص عمل، لم تحقق بعد مدخولًا يسمح بانفراجة اقتصادية يشعر بها المواطن، أو تسمح له بالأمان في مواجهة أعباء المعيشة، أوتحقق له الرفاهية التي كان ينتظرها من تلك المشروعات.

أقولها بصراحة، المواطن البسيط لايملك نفس رفاهية أحلام المسئولين، وهو أمر ينبغي أن تأخذه الحكومة الجديدة في الاعتبار، فالمواطن العادي ربما قد يرغب في المباهاة بدولة جديدة وعصرية، لكن تلك المباهاة لن تحدث، إلا إذا توفرت احتياجاته الأساسية بسهولة، فما فائدة كل تلك التوسعات العمرانية مثلا إذا كانت أسعارها خيالية، ولا يستطيع المواطن العادي الاستفادة منها.

تحتاج الحكومة الجديدة لأن تضع أمنيات المواطن البسيط نصب أعينها، وأن يتغير الأداء، ليصبح أداءا أكثر تواضعا من حيث الشكل والإنفاق، وأن يتم إعادة النظر في أساليب الإدارة في كل القطاعات، من خلال رؤية جديدة، تدرك الفرق بين تحقيق أرباح، من قطاعات منتجة، وتوفير خدمات بأسعار لائقة، من القطاعات الخدمية، دون الاعتماد على تحقيق أرباح من المواطن الذي هو هدف التنمية بالأساس.

تخطئ الحكومة حين تعتمد في مواردها على المواطن، من خلال فرض الضرائب والرسوم، ورفع أسعار الخدمات، بدعوى الوصول للأسعار الحقيقية للسلع، لأن ذلك باختصار لا يعد دخلا حقيقيا للدولة، وهو مورد غير آمن بالمناسبة، إذ أنه سيأتي وقت لن يكون لدى المواطن، ما يسدد منه تلك الرسوم، وأكاد أرى أن هذا الوقت قد بات قريبًا وينذر بخطر شديد.

أظن أن مهمة الوزراء الجدد صعبة للغاية، ليس بسبب صعوبة الوضع الاقتصادي فقط، وإنما بسبب احتياج وزاراتهم للتطوير وإعادة الهيكلة من الأساس، إذ أنه من المهم أن يضع الوزراء خطة، لإصلاح وزاراتهم من الداخل، وبما يضمن أداءًا "محوكما" يضبط الإنفاق الحكومي، ويسمح برقابة دقيقة على موظفي تلك الوزراء، الصغار والكبار منهم أيضا، والذين هم أساس صناعة القرار، وبما يضمن اختيار أفضل العناصر للإدارة، وبحيث يتم القضاء على أي سلبيات إدارية تضع أعباء على المواطن، وتسمح للموظفين الكبار بالاستفادة من أسرار العمل.

من حسن طالع الحكومات المصرية، أن أحلام المواطن المصري العادي، أحلام بسيطة، فهو لايحلم بتحقيق إنجازات ضخمة، وهو ما يجعل إرضاؤه سهل جدًا، بتوفير الخدمات والاحتياجات الأساسية له بشكل آمن ولائق، وهو الأمر الذي يمكن أن يجعل مهمة الحكومة الجديدة سهلة، إذ أن الحكومة لو أدركت ذلك، وقامت به، ستتمكن من الاستمرار في خطتها التنموية، وستكسب رضاء المواطن من جديد.

وأخيرًا أظن أن الدولة المصرية تحتاج لمسار جديد للتنمية، إذ لايمكن الاستمرار في التوسع العمراني، دون تحقيق تنمية ونهضة صناعية بالأساس، وأظن أن المرحلة القادمة يجب أن تشهد نشاط حقيقي للوزارات الإنتاجية، وعلى رأسها وزارة الصناعة، التي يجب أن تضع خطة طموحة، وحقيقية، لتحويل مصر إلى دولة صناعية كبرى، يمكنها أن تنتج احتياجاتها أولًا، وأن تقتحم الأسواق العالمية ثانيًا.

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز