البث المباشر الراديو 9090
الدكتور شحاتة غريب
منذ أن بدأت حرب غزة، عقب أحداث السابع من أكتوبر الماضي، لم نجد موقفا واحدا قويا وواضحا من قبل الإدارة الأمريكية وحلفائها تجاه ما يحدث من جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل قد تجاوزه، حيث جعلت الإدارة الأمريكية من نفسها محاميا عن إسرائيل وأمنها القومي، وقد نهج نفس نهجها بعض الدول الأوروبية الكبرى، على عكس موقفهم تماما من الحرب الروسية الأوكرانية!

فعندما بدأت القوات الروسية حملتها العسكرية نحو أوكرانيا في الشهور الماضية، دفاعا عن الأمن القومي الروسي حسب ما أدلى به الرئيس بوتين، انتفضت الولايات المتحدة الأمريكية دفاعا عن أوكرانيا، وكأن الجيش الروسي يتجه نحو واشنطن وليس كييف!

ولم تنتفض الإدارة الأمريكية وحدها، بل ثارت معظم القيادات الأوروبية ثورة عارمة تجاه بوتين وسياساته، وبدأت منذ ذلك الوقت رحلة فرض العقوبات على روسيا، وأصبح قطار العقوبات لا يعترف بالوقوف في أي محطة من محطات مدن العالم، سوى جميع محطات المدن الروسية، لتلقين ليس فقط الرئيس بوتين ولكن كل الشعب الروسي دروسا قاسية، لتعدل الإدارة الروسية عن قرارها تحت تأثير الضغط الشعبي الروسي، وإلا سيستمر قطار العقوبات في رحلاته ذهابا وعودة، حتى يرضخ الكيان الروسي لقرارات الإدارة الأمريكية وحلفائها، ولكن صمد الشعب الروسي، وساند قيادته السياسية، وسقط المخطط الأمريكي الأوروبي، واستمرت روسيا في تحقيق أهدافها دون تراجع!

وقد استخدم الرئيس الأمريكي جو بايدن عبارات تهديد الأمن والسلم الدوليين، وارتكاب روسيا لجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، ضد الشعب الأوكراني، وغير ذلك من الجرائم، التي تمثل انتهاكا صارخا للشرعية الدولية، وهبت أوروبا تنهج نفس النهج، لتعلن في كل المحافل، مدى بشاعة الجيش الروسي، ومدى انتهاكه للقانون الدولي الإنساني، وجميع المواثيق الدولية، التي تحظر الاعتداء على حقوق الدول بشأن سيادتها، وحقوق شعوبها في تقرير مصيرهم، وعدم التدخل في شؤونهم الداخلية.

ولم تلتفت الإدارة الأمريكية وحلفاؤها لأي مبررات قد أعلنتها الإدارة الروسية، بشأن حملتها العسكرية نحو أوكرانيا، وأن الهدف من هذه الحملة هو الدفاع عن الأمن القومي الروسي، وأن من حق روسيا استخدام حق الدفاع الشرعي الوقائي عن سلامة أراضيها ضد أي خطر يمكن أن يمس هذه الأراضي، أو يشكل مساسا بأمنها، واستقرارها، وحقها في حماية حدودها، كما أن الإدارة الأمريكية وحلفاءها لم تلتفت لأي مطالب روسية بشأن عدم انضمام أوكرانيا لحلف الناتو، لأن في ذلك خطرا داهما على الدولة الروسية، وتم الضرب بعرض الحائط لكل الحجج والذرائع الروسية، واستمر الحصار الأمريكي الأوروبي لروسيا حتى الوقت الراهن!

وفي المقابل، وعلى النقيض تماما من كل ما سبق ذكره من مواقف أمريكية أوروبية بشأن القضية الأوكرانية، نجد موقفا مغزيا، يمثل عارا على السياسة الخارجية الأمريكية وحلفائها، بشأن ما يحدث في غزة من مجازر، وجرائم إبادة جماعية، ومحاولات مستميتة للتهجير القسري للفلسطينيين، من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، وقد فعل هذا الجيش المجرم بحق الشعب الفلسطيني ما لا يمكن تصوره على المستوى الإنساني والأخلاقي، ولا أدل على ذلك مما حدث في مجزرة الخبز في الأيام الماضية!

والملفت للنظر، والغريب، أن الإدارة الأمريكية وحلفاءها قد قبلوا بالمبررات الإسرائيلية دفاعا عن الأمن القومي الإسرائيلي، على حسب ما ادعى الكيان الصهيوني، وهي ذات المبررات التي رفضتها الإدارة الأمريكية وحلفائها عندما قالت بها الإدارة الروسية في أزمتها مع أوكرانيا، وكأن الكلمات ومعناها، والعبارات ومدلولها، حكرا فقط على جوبايدن وحلفائه من زعماء الغرب، وأن كل ما تقوله إسرائيل من كلمات وعبارات، يكون مقدسا، وعلى الجميع احترامه، وأن ما تقوله فلسطين، والمقاومة، لا أساس له من الصحة، وينبغي عدم الالتفات إليه، لأن في شبه الاهتمام به ضياع لحقوق الشعب الإسرائيلي في الأمن والأمان، وكأن السلام والعيش الآمن قد وجدوا من أجله فقط، وليس من أجل الفلسطينيين!

وليس غريبا أن تكون نظرية الكيل بمكيالين هي النظرية المسيطرة على سياسات الإدارة الأمريكية والغرب، فهذا هو نهجهم تجاه جميع القضايا الدولية، والإقليمية، ولم نلاحظ خلال السنوات الماضية أية مؤشرات، تبين العدول عن هذا النهج، ولن يحدث ذلك في المستقبل، إلا إذا حدث تغييرا جذريا في هيكل النظام العالمي، بما يضمن عدم هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على المشهد العالمي، وعلى مجريات الأمور في المنظمة الدولية.

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز