البث المباشر الراديو 9090
الدكتور شحاتة غريب
مُنذ أن ولدت الجمهورية الجديدة من رحم ثورة الثلاثين من يونيو 2013، وتولى الرئيس عبدالفتاح السيسي، مسئولية إدارة البلاد في 2014، كان ولا يزال عنوان هذه الجمهورية هو المصارحة، والمكاشفة، والشفافية، والمصداقية، بشأن كل ما يتعلق بالملفات والقضايا التي تخص المواطن المصري سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الخارجي.

لم نلاحظ مرة واحدة قيام القيادة السياسية منذ توليها المسئولية بمحاولة اتباع نهج إخفاء الحقائق والمعلومات عن الشعب المصري، إيمانًا بأن هذا الشعب هو المصدر الحقيقي لأي سلطة، وهو المناضل والمُكافح والصانع لثورة الثلاثين من يونيو، وتعتبر المُصارحة بلا أدنى شك أحد المقومات الأساسية للجمهورية الجديدة، ولعل المتابع بدقة، وانصاف لمواقف الدولة المصرية داخليا وخارجيا، يجد بوضوح ما يؤكد على هذه المصارحة.

فمن الناحية الداخلية، لقد أكدت القيادة السياسية على ضرورة إعلام الشعب المصري، بكل صغيرة أو كبيرة بخصوص قضايا الوطن الاقتصادية والاجتماعية وغير ذلك، ولعل ما حدث في افتتاح الرئيس عبدالفتاح السيسي لعدد من المشروعات يوم السبت 25 مايو، يبين بجلاء توجهات الدولة المصرية فيما يخص الشأن المصري، وضرورة السماح للجميع بالمشاركة الفعالة في شتى المشروعات الوطنية التي تساهم في تحقيق التنمية وفقا لرؤية مصر 2030.

وقد راهنت القيادة السياسية على ثقتها في الشعب المصري، ووعيه، وولائه، وعشقه للوطن، وأن هذا الشعب يعتبر شريكا أساسيا في قضية التنمية، وأن من حقه أن يفهم كل ما يحدث على أرض الوطن، من مشروعات، وانجازات، وتكلفة ذلك، والفائدة من هذه المشروعات، وأن يتعرف أيضا على كافة التحديات التي يمكن أن تعرقل مسيرة بناء الجمهورية الجديدة، إذا لم نتصدى لها بكل حزم.

وفي حقيقة الأمر يجب أن نأخذ بكل جدية كل ما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسي، وخاصة ما يتعلق بحق الشعب في المعرفة، وأن تتواصل الحكومة مع الإعلام، بشرط أن تكون التقارير الصحفية، وكل ما ينشر من مقالات، أو غير ذلك، قد تم كتابته وعرضه بكل موضوعية، دون الخضوع لأي توجهات فكرية أو ايديولوجية، لأن المواطن المصري يستحق أن تصله المعلومة بكل مصداقية، وأن تضليله لن يحقق أي فائدة، ولكن مصارحته، والتعامل معه بكل شفافية سيجعله في صف الدولة، ويقف من أجلها ضد كل من يحاول تعطيل رحلة تقدمها ورقيها!

وتجدر الإشارة إلى أن منهج المصارحة التي تتبعه الدولة المصرية مع مواطنيها منذ نشأة الجمهورية الجديدة، لا يقتصر على الشأن الداخلي فقط، بل تسعى الدولة بكل صدق، وكل إخلاص، إلى إظهار كافة الحقائق بشأن أي ملف من الملفات الخارجية.

وإذا كانت هناك العديد من الملفات الخارجية التي تبرهن على المواقف المشرفة للدولة المصرية، وتجعل كل مصري فخورا بدولته وقيادته، فإن ما يحدث في هذه الأيام بشأن القضية الفلسطينية، يؤكد أن الدولة المصرية صاحبة موقف، وصاحبة مبدأ، ولا تعرف الكيل بمكيالين، أو اتباع منهج المعايير المزدوجة، أو المشاركة في أي مؤامرة تستهدف تصفية قضية معينة، وضياع حقوق أي شعب.

ولعل هذه القيم الإنسانية النبيلة التي تتحلى بها الدولة المصرية تكون هي السبب وراء الهجوم الإعلامي الغربي على مصر، وتضليل الرأي العام العالمي بحقيقة الوضع في الأراضي الفلسطينية، وعدم كشف حقيقة أن إسرائيل وجيشها المحتل هم الذين يمنعون دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وهم الذين يتحملون المسئولية الكاملة عن انتهاك الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، لأن إسرائيل وحلفائها يريدون أن تنهج مصر نفس نهجهم، وأن تجعل مصالحها تسمو على أي شيء آخر، حتى لو كان يتعلق الأمر بضياع قضية، وتصفيتها، ومنع شعب من تقرير مصيره!

ولكن لن تقبل مصر إطلاقا بالنهج الإسرائيلي، وقد أعلنت القيادة السياسية وبكل صراحة أن مصر لن تقبل بالتهجير القسري للفلسطينيين، وأن الحل العادل للقضية الفلسطينية يكمن في الاعتراف بقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وأن كل محاولات إسرائيل الاستعمارية في رفح غير مقبولة، وأن الإدارة الإسرائيلية تتحمل كامل المسئولية عن تدهور الحياة بكل صورها في غزة.

كما أن الدولة المصرية قد رحبت بالقرارات الأخيرة التي أصدرتها محكمة العدل الدولية بشأن الحرب الوحشية في غزة، وإذا طالعنا وحللنا كافة التدابير التي نادت بها المحكمة الدولية، نجدها تتفق تماما مع الرؤية المصرية، حيث قد طالبت القيادة السياسية منذ بدء الحرب على غزة بعد أحداث السابع من أكتوبر الماضي بضرورة وقف إطلاق النار، وعدم الاعتداء على المدنيين، وعدم إعاقة وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، وعدم اقتحام رفح، وتهجير الفلسطينيين قسرا، وأن المجتمع الدولي يتحمل المسئولية الكاملة تجاه كل ما يحدث في الأراضي الفلسطينية.

فلا ريب أن هذه المواقف المعلنة بكل صراحة، ومصداقية، تؤكد أن الجمهورية الجديدة تقوم على مبادئ المصارحة، وكشف الحقائق، وعدم تضليل الشعوب، وأن السياسة المصرية سواء كانت داخلية أو خارجية لن تتخلى مطلقا عن هذه المبادئ.

أ. د/ شحاتة غريب

أستاذ القانون ونائب رئيس جامعة أسيوط السابق.

 

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز