البث المباشر الراديو 9090
الدكتور شحاتة غريب
نظمت الهيئة الإنجيلية القبطية للخدمات الاجتماعية، خلال الأيام الماضية فى العين السخنة، مؤتمرا مهما حول التسامح ومواجهة العنف، بحضور نخبة من الوزراء، وأساتذة الجامعات، وأعضاء مجلسى النواب والشيوخ، ورجال الدين، وكبار الكتاب، والصحفيين، ورجال الإعلام، والثقافة، والمجتمع المدنى.

وتناول المؤتمر محاور مهمة تتعلق بالتسامح، ومواجهة العنف، وأهمية التسامح فى تحقيق التنمية فى مجالات عديدة بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة، والرؤية المصرية 2030م.

ولا شك أن موضوع التسامح يعتبر من الموضوعات المهمة فى حياة أى مجتمع من المجتمعات، ولا يمكن أن نتعايش بدون وجود التسامح، كما أن غياب ثقافة قبول الآخر قد يؤدى حتما إلى صراعات، وفتن، وعدم استقرار، مما ينعكس سلبا على حالة السلام الاجتماعى التى يجب أن تتوافر فى المجتمع، كى يستطيع كل شخص أن يؤدى دوره، دون أدنى معوقات ودون الدخول فى جدال عقيم لا يسمن أو يغنى من جوع، ولا يقودنا إلا إلى بث الفرقة والانشقاق وتهديد القيم الإنسانية النبيلة التى ينبغى أن نتحلى بها، كى نحافظ على مقدراتنا، وموقعنا فى خريطة الإنسانية!

ويكون مخطئا من يتصور أن الأنا هى التى ستنتصر؛ لأن المعادلة تكون فى هذه الحالة غير مكتملة، حيث أن وجود أى شخص يكون مرتبطا بوجود الآخر، ولا يمكن بأى شكل من الأشكال أن نتصور اكتمال المعادلة بدون الآخر، ولا يمكن إطلاقا تجاهل الآخر، وتحقيق التنمية بدونه، فكلنا نحتاج إلى بعضنا البعض ولا نستطيع أيا كانت قدراتنا أن نقود مسيرة الرقى والتقدم بدون الآخر ويجب على كل واحد منا أن يدرك جيدا ذلك وأن يعى جيدا أن نقص المعادلة لا يكون فى صالح السلام الاجتماعى، وبالتالى يتأثر سلبيا كل مجال من مجالات الحياة، وعلى الأخص المجالات الاجتماعية، والسياسية، والثقافية، حيث تسود حينئذ ثقافة الأنا، وعدم قبول الآخر، وهو ما قد يؤدى إلى عواقب وخيمة، لا يمكن لأى مجتمع أيا كانت قوته، أن يتحمل هذه العواقب!

ولعل المتابع للأحداث التى تتم فى بعض الدول المجاورة التى أدت إلى الخراب الشامل وإلى التدمير بدلا من العمران سيجد أن أحد أهم العوامل التى أدت إلى كل هذه النتائج السيئة هو غياب التسامح وعدم قبول الآخر وعدم وجود ثقافة العيش المشترك والتعاون من أجل تحقيق الأهداف المشتركة، التى تعود بالنفع على الجميع، وتخلق مناخا مناسبا، يشجع على العمل بإخلاص، والإبداع، والابتكار، كى نحاكى فى تقدمنا ما حققته الدول المتسامح شعوبها مع بعضهم البعض، من ازدهار فى شتى مناحى الحياة.

ولذلك تعتبر قضية التسامح من أهم القضايا التى يجب أن تهتم بها الدول ومؤسساتها كافة، والمجتمع المدنى والأفراد وكى نؤدى دورا ايجابيا فى هذا الإطار، قد طرحت توصية عند مشاركتى لإحدى مجموعات العمل التى تتعلق بالثقافة وبناء الشخصية، وأهمية التسامح فى حياة الشعوب، وربطه بتحقيق التنمية، تدور حول أهمية قيام المتخصصين بعمل خريطة للمجتمع المصرى، تكون شاملة كل المناطق الجغرافية فى مصر، لوضع النقاط على الحروف، بشأن التهديدات، والمخاطر، والعناصر الحاكمة لتعزيز قيم التسامح فى المجتمع، بهدف تكثيف جهود بناء الوعى، ونشر قيم التسامح والتعايش وقبول الآخر فى مناطق بعينها دون غيرها، كى لا يضيع الجهد، والوقت فى عقد الملتقيات والتوعية فى مناطق أكثر وعيا بقيم التسامح والتمسك بها حفاظا على النسيج الوطنى وعدم إعطاء المساحة لكل من يحاول أن يهدد السلام الاجتماعى فى مصر.

ولا ريب أن القيام بإعداد خريطة لقيم التسامح فى المجتمع المصرى، وبيان مؤشرات تهديد هذه القيم فى أى منطقة من مناطق الدولة، سيمكن مؤسسات الدولة المعنية، ومنظمات المجتمع المدنى والأشخاص المعنية بالعمل العام من أداء الدور بإيجابية حيث يتم التركيز على مناطق محددة يتم فيها حملات التوعية المكثفة؛ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه حرصا على عدم الغرق فى بحور من الأنا وعدم قبول الآخر قد لا نجد فيها طوق نجاة!

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز