البث المباشر الراديو 9090
أنطون تشيخوف
تمر اليوم الأحد ذكرى وفاة الكاتب الروسى أنطون تشيخوف، الذى يعتبر واحدًا من أهم كتاب القصة القصيرة فى التاريخ، كما يصنفه البعض كأحد أهم الكتاب على الإطلاق.

برع تشيخوف فى كتابة القصة القصيرة، وطور شكلها، وانشغل بالهموم الإنسانية وتصوير معاناة المهمشين والمطحونين، فى انحياز واضح من جانبه لفئة تسقط دائمًا من الحسابات ولا يعنى أحد بها.

وبحسب القاص سعيد الكفراوى، يعتبر تشيخوف واحدًا من كتاب الضمير فى العالم، ومن هؤلاء الكتاب الذين مثلوا صوت التعبير عن الجماعات المقهورة، تلك الجماعات التى تعيش على الهامش مثل خدم البيوت، والموظفين المهمشين، والمرضى النفسيين، والمغدورين، والذين يخضعون بلا رحمة لضغوط الحياة.

وتابع الكفراوى فى تصريحاته لـ"مبتدا": "نجح تشيخوف عبر كتاباته، سواء فى القصة القصيرة التى هو فارسها العظيم، أو رواياته القصيرة أو مسرحه، أن يعبر عن هموم تلك الجماعات، كما أن تشيكوف واحدا من الأصوات التى قال عنها بسكال إنها تأتى عبر الآماد البعيدة فتصيبنى بالرعب".

ويرى الكفراوى أن أعمال تشيكوف خاصة فى القصة، تعتبر رؤى إنسانية جميعنا استفاد منها فى المعنى والشكل والدلالة، متابعًا: " تشيخوف ابن المجتمع الروسى الحقيقى، مجتمع ما قبل الثورة البلشفية، حيث كانت تغيب العدالة الاجتماعية وحرية الفرد، والتى انشغل تشيخوف بالتعبير عن تلك القيم. أتذكر وهو يودع العالم وبسماحة نفسه، قال لأخته ساعدى الفقراء واعتنى بالأم وعيشى فى سلام. تشيكوف الكاتب العظيم صاحب الطفولة المؤلمة والمرض الطويل والذى عاش محنة المجتمع الروسى وجسدها فى قصصه الكثيرة".

وبالنسبة للكاتب عمرو العادلى، أضاف تشيخوف للقصة القصيرة معانٍ لم تكن موجودة، وأكد على قيمتين أساسيتين: الأولى الحث على العمل وإعمال العقل وأن يكون الإنسان مفيدًا فى الحياة وصاحب دور، موضحًا: "إذا نظرنا لقصصه سنجد هذا موجود فى كل أعماله"، أما القيمة الثانية فهى أنه يواجه الانسان بحياته الحقيقية بكل ما فيها، فيخبره بالحقيقة العارية كى يدرك أنها حقيقته دون تجميل أو مداراه، ليبدأ فى تحسينها، وهذا أضاف أبعادًا للقصة القصيرة لم تكن موجودة قبله، وكل ما تبعه عمل عليها".

وتابع: "لم يلق تشيكوف بالا للنقد، ولذلك أنتج الكثير رغم أنه مات فى سن صغيرة، وكان ينظم وقته للكتابة فى القصة تحديدًا وكل ما كتبه خلاف ذلك لم يكن كالقصة التى كانت مشروعه الأساسى. انتهج العالم من بعده أسلوبه فى القصة القصيرة، الأسلوب الإنسانى الذى يهتم بالمشاعر وكل ما هو إنسانى، وتأثرت به القصة القصيرة الروسية والعالمية.. لم يهتم بإبداع شكل قصصى جميل فقط، بل وصل لما هو أبعد فمنح القصة نطاقا إنسانيا كبيرا".

من جانبه، يروى الكاتب أحمد مجدى همام قصة تعرفه على أدب تشيخوف ويقول: "حتى سنوات قريبة لم أكن قد قرأت أى شىء لأنطون تشيخوف، كنت طليعياً متحمساً أفتّش عن الفانجارد والكتابات الحداثية وما بعد الحداثية، وكنت محمّلاً بتصور بائس عن خلو الكلاسيكيات وأعمال الروّاد الأوائل من عنصر الجذب والصنعة الفنية".

يضيف: "ثم حدث بعد ذلك، فى 2011 ربما، أن بادر صديقى الفنان التشكيلى محمد شهدى بإعارتى مجلّداً للأعمال القصصية الكاملة لأنطون تشيخوف، ولما لاحظ عدم تحمّسى لذلك، فتح المجلّد وفتّش عن قصة بعينها، ثم أعطانى الكتاب وطلب منى أن أقرأ بصوت جهير، وسط حضور مجموعة من أصدقائنا الكتّاب والفنانين الشباب".

يؤكد: "كانت تلك القصة هى "المغفّلة" القصة الرائعة المدهشة التى حفرت بأبسط الأدوات فى أعمق أعماق النفس البشرية، والأدهى أنها فعلت ذلك عبر ديالوج طويل، إذ تكاد القصة تخلو من السرد، لصالح اكتساح حوارى يشكّل أكثر من 90% من قوام القصة.. كنت أقرأ وأنا مندهش، ولاحظت أيضاً أن القصة لفتت انتباه الكتّاب والفنانين الشباب المتواجدين فى مرسم العم محمد شهدى فى بولاق أبو العلا.. قصة الخادمة الشابة يوليا فاسيليفنا التى يبخسها سيد البيت حقّها ويمنحها جزءاً ضئيلاً من راتبها، بينما تتصرّف هى باستسلام ودون اعتراض وتقبل بالمبلغ الضئيل رغم شعورها الداخلى بالظلم.. قبل أن يعلن سيد البيت أنه كان يعابثها فقط وأنه سيعطيها راتبها كاملاً.. لكن فى المقابل يقرّعها لأنها لم تدافع عن حقوقها مختتماً النص بتساؤل وجودى صادم: "هل يمكن فى هذه الدنيا ألا تكونى حادة الأنياب؟ هل يمكن أن تكونى مغفلة لهذه الدرجة؟".

يتابع مجدى: "بعدما فرغت من قراءة القصة ورفعت عينى عن الكتاب، وجدت الجميع صامتين، وكأنهم فى انتظار المزيد من القصص المخدّرة، لم يكن هناك أى صوت، ظللنا على صمتنا لثوانٍ قبل أن يقطعه سؤال من أحد الحاضرين: "ينفع أنا آخد الكتاب يا عم شهدى طالما همام مش عايزه؟".. لكنى كنت قد أدركت ما فوّته على نفسى طوال السنوات السابقة التى لم أقرأ فيها لهذا الساحر الروسى، وتمسّكت بعرض عم شهدى لى بأن يعيرنى مجلد الأعمال الكاملة، الذى سهرت على قراءته أياماً وليالى، وكنت مع كل قصة أندهش من أن هذا الفن الرفيع كُتب فى نهايات القرن التاسع عشر! أى قبل 150 سنة من اللحظة التى بدأت فيها التعرف على تشيخوف الفذ.

 

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز