البث المباشر الراديو 9090
جانب من حوار محمد مصطفى أبو شامة مع مبتدا
يمكن لكتاب أن يحول حياتك.. يمكن لكاتب أن يقلب تفكيرك رأسا على عقب.. هذا هو ما حدث للقاص والسيناريست محمد مصطفى أبو شامة عندما قرأ صلاح جاهين، وقرر وقتها أن يترك كلية الهندسة "التي لم تعد تسع رحابة فكره وإبداعه"، كما قرر أن ينظر للفن والأدب بشكل مختلف.

"يمكنني أن أكتب الشعر والقصة والمسرح، يمكنني أن أصبح ممثلا ثم أتوارى، يمكنني أن أجرب كل شيء ثم أختفي. الفن حرية، فأنا حر إذن" كان هذا هو الدرس الذي استخلصه أبو شامة من قراءة صلاح جاهين.

الصحافة لم تأخذ أبو شامة من الإبداع، فكتب الشعر والقصة القصيرة وعشق المسرح كتابة وتمثيلا وإخراجا أيضا، وظل مخلصا لكتابة السيناريو حتى وإن كانت الأمور لم تسر على ما يرام بعد ولم تر أعمال كثيرة النور حتى الآن، غير أنه لا يزال يحافظ على هذا الخيط الرفيع بين الصحفي والمبدع، لتبقى مساحة الإبداع هي الملاذ والملجأ من عالم تزداد شراسته يوما تلو الآخر.

هنا، يحكي محمد مصطفى أبو شامة لـ"مبتدا" عن الكتابة، والصحافة، والأدب، وأحلامه في السيناريو، عن أبطاله المهمشين، الذين انحازوا لأن يصبح وجودهم شبحي لا ظاهري، إما خوف من الآخر، وإما انحياز للمعنى.. سنرى.

القصص في مجموعة "شبح يدخن الشيشة" تدور كلها تقريبا حول فكرة المجهول.. شخص ما موجود وغير موجود.. حدث ما وقع بالفعل أو لم يكن من الأساس.. ثمة شبحية ما تسيطر على روح القصص وأبطالها.. هل تتفق معي؟

أردت أن أحكي عن هؤلاء المهمشين، أبطال حكاياتهم الخاصة، الذين يقومون بأعمال بطولية لكن لا أحد يراهم، الذين لا ينتمون لزمانهم بشكل ما. البطل الدرامي عندي لديه وجود شبحي. هكذا أتصوره. بطل هذا الزمان وخصوص السنوات الأخيرة التي عشناها في مصر من متغيرات جغرافية وإنسانية ومكانية.

تقنية الكتابة التي استخدمتها لسرد قصص المجموعة تعتمد بالأساس على مدى تلقي القارئ وتعاطيه مع القصص.. إلى أي مدى تؤمن بكون القارئ أو المتلقي جزء من العمل؟

جانب من حوار محمد مصطفى أبو شامة مع مبتدا

منذ بدأت الكتابة، وكان ذلك عن طريق الشعر قبل أن أكتب القصة القصيرة، كنت منحازا للمدرسة المعتادة على التأثير غير المباشر، وأن يقرأ النص من يشتبك معه ويحاول تأويله وفق رؤاه وتصوراته.. لا أحب كقارئ أن يسجنني كاتب في نهاية محددة، لذلك أميل دائما للنهايات المفتوحة وأراها أكثر فنية من غيرها في تقديري، حيث تفرد مساحة للأفكار الشخصية والخيال للقارئ.

تدور القصص في جو يختلط فيه الواقعي بالخيالي.. هل تؤمن أن الواقع بإمكانه أن ينتج خيالا؟

أزمة جيلي أنه عاش أحداثا كبيرة وصعبة للغاية، الأمر الذي أفقده قدرته على التوازن بشكل ما. جاء الربيع العربي بما تمخض عنه من أحداث كانت لها انعكاسات خطيرة حتى هذه اللحظة فأربكت المشهد، وتجاوزت قدرات هذا الجيل على التخيل، كان الواقع أقوى من الخيال، ولم يمتلك الكتاب القدرة على صياغة رؤية متكاملة للحياة وفق هذا النمط. هي أزمة تشبه الأزمة التي عاشها بطل رواية السمان والخريف عند نجيب محفوظ، حيث الإنسان يفقد موقعه من الحياة، لا يستطيع أن يتعايش معها بسبب ما يحدث حوله من متغيرات تجاوزت وجوده بالأساس. لذلك أرى أن الكتابة الآن تعد بمثابة نوعا من الجسارة في ظل هذا الظرف التاريخي الذي نعيشه، حيث خيمت رائحة الموت على العالم، فأنتجت إبداعا مرتبكا.

بدأت شاعرا.. ثم اتجهت للقصة القصيرة وكتابة المقال.. هل تؤمن أن الفكرة هي التي تختار قالبها الفني سواء قصيدة أو قصة أو رواية أو سيناريو؟

أرى الشعر دائما أعظم الألوان الأدبية وأرفعها شأنا. ولكن تصوري عنه ربما منعني في أحيان كثيرة من مواصلة رحلتي معه. الشعر عندي منبوذ بشكل ما، غير مفهوم للجميع، هناك لغط دائم بشأنه، ثمة ضبابية ما، ولكن أظل ممتن للشعر لأنه قادني للصحافة.

النقلة الحقيقية في حياتي كانت عندما قرأت لـ صلاح جاهين، هذا التعامل السلس والبسيط مع الحياة والكتابة وكل شيء. تركت كلية الهندسة ودرست الإعلام. تعاملت مع الحياة والأدب كلعبة. سرت وراء نداهة الفن. بإمكاني أن أكتب كل شيء وأي شيء. بإمكاني أن أغيب وأن أظهر بقوة. تعرفت على المسرح تمثيلا وكتابة وإخراجا. جربت كل أنواع الكتابة من شعر وقصة ومسرح وسيناريو.

عرض لك مسلسل "رجال حول الرسول" ولك محاولات في كتابة السيناريو لكنها لم تخرج للنور بعد.. هل الصحافة السبب في ذلك؟

حاولت كثيرا في مجال كتابة السيناريو.. الصحافة مهلكة بالفعل وتأخذ وقتا وجهدا من الكاتب، لكني أخلصت قدر استطاعتي للسيناريو الذي أعتبره شغفي الأول والأهم. كان فيلم "أغنية الموت" هو أول مشروعاتي السينمائية وكان من المقرر أن يلعب بطولته الفنان محمود حميدة لكن تعطل المشروع لظروف إنتاجية.

غلاف

فيلم آخر اسمه "كدبة أبريل" لم ينتج أيضا. العام 2013 شهد محاولة لكتابة مسلسل وكان سيقوم ببطولته الفنان الراحل محمود عبد العزيز لكنه توفي وتوقف المشروع أيضا. تبعت ذلك محاولات لم تنتهي في السينما والدراما لم تر النور حتى الآن لظروف مختلفة. لكني مستمر في المحاولة.

كيف استطعت تحقيق التوازن بين الصحافة والإبداع؟

قدر استطاعتي حاولت ذلك. قبل سنوات كانت لدي القدرة على الكتابة في أي مكان وأي مناخ. كنت أكتب كثيرا على المقهى. المشكلة أن زماننا به الكثير مما قد يشغل الإنسان عكس أزمنة السابقين علينا. لذلك أحاول دائما عدم الانغماس بكاملي في الصحافة، ليبقى الإبداع هو المتنفس والملاذ.

غلاف

 

إلى أي مدى تؤثر أدوات الذكاء الاصطناعي على المبدعين بشكل عام؟

العولمة كلمة السر. البداية كانت هناك. فكرة تنميط البشر ووضعهم في قالب واحد. نسف فكرة الهوية وضربها في مقتل، استنساخ البشر ليصبح الكل هو واحد والعكس. الذكاء الاصطناعي يقوم بالأساس على التنميط، قالب واحد يمكنك أن تتطلب منه كتابة رواية، سيناريو، قصة، سيمنحك ما تريد. لكن ما سينتجه حتى الآن يفتقد الروح، وللأسف سيكون قادر مستقبلا على أن يسبغ روح الإنسان على الذكاء الاصطناعي، لكن علينا أن نلوم الإنسان أولا، نلوم أنفسنا لأننا سبب ما حدث.

كيف ذلك؟

الإنسان نفسه بدأ منذ سنوات في تكرار نفسه، واستنساخ نفس الأفكار. تعامل مع الإبداع بمنطق الاستسهال، بدأ يتعامل مع الأمر بنمطية، فأصبحت الكتب مثل بعضها، والسينما تدور في قوالب محددة، شيئا فشيء أصبحت النمطية تحكم المشهد، وتسيطر على كل شيء. الآن الذكاء الاصطناعي يواصل ما بدأه الإنسان، غير أن مكمن الخطر يتمثل في أن هذه السلاح الجديد يريد إزاحة الإنسان عن المشهد تماما. سيبدع هو، ويكتب الرواية، وينتج فنا وأدبا وسينما ودراما بدلا من الإنسان، وللأسف سيتمكن من ذلك مستقبلا.

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز