البث المباشر الراديو 9090
فيليب فالس - المدير السابق لشارلى إيبدو
رفض علماء الأزهر الشريف، ادعاءات الصحيفة الفرنسية "شارلى إبدو"، المطالبة بحذف آيات من القرآن الكريم، مؤكدين أن كتاب الله دعا للسلام، لكن العنصرية لا تزال تطارد المتطرفين ممن سكنوا الغرب.

كان مصطلح "حذف آيات من القرآن الكريم" الأكثر تداولًا خلال الأيام الماضية، عقب نشر المدير السابق لمجلة "شارلى إبدو" الفرنسية فيليب فالس، مقالًا فى جريدة "لوباريزيان" قال فيه، إنه تمكن من الحصول على توقيع 300 مؤيد لفكرة حذف آيات من القرآن.

وأبرز هذه الشخصيات كان الرئيس السابق نيكولا ساركوزى، ورئيس الوزراء السابق إيمانويل فالس، والمغنى المعروف شارل أزنافور، الأمر الذى أثار حفيظة وغضب المسلمين والمؤسسات الإسلامية على مستوى العالم، وخصوصًا مؤسسة الأزهر الشريف.

آيات القتال آيات سلام

فى هذا السياق، قال الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر، إن اتباع الشريعة الإسلامية فريضة بنص قوله تعالى "ثُم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعهَا" وليس خيارًا، محذرًا من المحاولات التى تظهر كل حين وآخر، والتى كان آخرها دعوة بعض الفرنسيين بتجميد آيات القتال فى القرآن.

وأوضح وكيل الأزهر، خلال كلمته بمؤتمر الأزهر والذى عقد تحت عنوان "الشريعة ودورها فى استقرار المجتمعات"، أن الآيات التى يُقال عنها إنها آيات قتال هى فى الحقيقة آيات سلام، فالقتال فى الإسلام للدفاع وليس للعدوان، و"نقول لهؤلاء افهموا كتاب الله حقًا وسنة رسول الله صلى عليه وسلم، فالقرآن ليس به آيات تأمر بقتل أحد دون ارتكاب جريمة من الجرائم الموجبة لقتل الفاعل، كقتل الغير عمدًا، أو رفع السلاح لقتالنا".

وتابع: "الإسلام ليس مسؤولا عن عدم فهم الآخرين لمعانى الآيات، وأخذهم بظاهرها دون الرجوع لتفاسير العلماء لها، فما ظن هؤلاء آيات تنادى بقتلهم هى آيات سلام فى حقيقتها، فآيات القتال كلها واردة فى إطار رد العدوان إذا وقع، وليس إيقاعه على الغير، وهذا مبدأ لا خلاف حوله حتى بين المطالبين بتجميد هذه الآيات"، لافتًا إلى أن كل الأديان وحتى التشريعات الوضعية، تقر حق الدفاع عن النفس، والوطن، والعرض، ورد كل صور الاعتداء.

عنصرية

من جانبها، وصفت الدكتورة عزيزة الصيفى، أستاذ البلاغة والنقد بجامعة الأزهر، دعوة حذف آيات القرآن الكريم بـ"العنصرية البغيضة" التى ﻻ أساس لها سوى استمرار الحرب على الإسلام بكل الوسائل، ليستمر الصراع قائمًا، أما ما قاله المدير السابق لـ"شارلى إبدو"، بوجود آيات تدعو للعنف ضد اليهود، فهو قول أخرق، وﻻ سند له، فإن ذكر اليهود فى القرأن لم يقترن بأى تهديد، كما أن آيات القرآن ﻻ تقر اﻻعتداء إﻻ على المعتدى، قال تعالى: "ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم".

وشددت الدكتورة عزيزة، فى تصريح خاصة لـ"مبتدا"، على أن هؤلاء يريدون أن يستعطفوا العالم، ويحشدوا الرأى العام للوقوف معهم، أما بعض الأئمة الذين يوافقون على حذف آيات من القرآن فهم مضللون ويضللون غيرهم فهم الذين قال الله عنهم: "يحرفون الكلم عن مواضعه".

هجمات متوقعة

فى السياق ذاته، أكدت الدكتورة إلهام شاهين، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، أن تلك الدعوات متوقعة من زمن بعيد، وهى تسلسل طبيعى للاتهامات السابقة للإسلام بأنه دين الإرهاب وهى ثمرة مُرة لدعم الجماعات المسلحة مدعية التدين، مؤكدة أنها وإن دلَّت على شىء فإنها تدل على حقد دفين ظهر جليًا واضحًا على القرآن الكريم، واستغلال لعدم علم هؤلاء الموقعين على ذلك المطلب، كما أنه يدل على الجهل بالإسلام وبالقرآن نتيجة اقتطاع الآيات من سياقها وعدم النظر فى معانيها ومناسباتها وأحكامها.

وأشارت، فى تصريح لـ"مبتدا"، إلى أنه "لو كان هؤلاء أهل علم لما فعلوا ذلك، ولو شئنا أن نفعل مثلهم لجمعنا آلاف التوقيعات من المسلمين ذوى المكانة ممن ليس لديهم علم بالكتاب المقدس، ولكان استغلال ذلك سهل علينا للمطالبة بحذف آيات من الكتاب المقدس لليهود والنصارى بعد اقتطاعها من سياقها، وعدم النظر لمناسبتها التى قيلت فيها ولا الهدف منها وهى آيات فى ظاهرها تحض على الكراهية والعنف والتحريض ضد الآخرين".

ولفتت إلى أن أهل العلم لا يفعلون ذلك، لأنهم يراقبون الله فى أقوالهم، وأفعالهم "ولذا نقول لهؤلاء ليس لكلامكم قيمة، ولا لطلبكم هذا أصل دينى أو قانونى ترجعون إليه ولن يلتفت إليكم إلا الجهلاء بدينهم قبل دين غيرهم"، مشيرة إلى أن "شارلى إبدو" فقدت رونقها وهؤلاء الذين وقَّعوا على الطلب يأملون فى استعادة الأضواء فاتفق الهدف ولم يجدوا إلا تناول القرآن الكريم كتاب المسلمين لأنه أصبح المجال الذى يجلب الشهرة، ويضمن تسليط الضوء على من يتناوله بالهجوم.

هل ستُحذف آيات من القرآن؟

وعلى صعيدٍ متصل، قالت الدكتورة فتحية الحنفى، أستاذة الفقه بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات جامعة الأزهر بالقاهرة، إن الدعوة بحذف آيات من القرآن الكريم أمر مستحيل، ولا يستطيع بشر أيًا كان أن يحذف حرفًا واحدًا من القرآن، لقول الحق تبارك وتعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون".

وأضافت لـ"مبتدا"، أن أحكام القرآن جاءت منظمة للتعايش مع الآخر ومنع أى اعتداء دون وجه حق، لأنه فى مضمونه يدعو إلى السلم والسلام، قال تعالى: "فإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله"، وقال سبحانه: "ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين"، فمن ينادى سواء فى فرنسا أو غيرها بحذف آيات أو تجميد آيات بحجة أنها تحث على العنف أو قتل غير المسلم فهذه دعوة باطلة.

وتابعت: "الذى يقرأ القرآن الكريم ويتفهم آياته يجد فيها خلاف ما يدعى هؤلاء، إذ يقول تعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم"، أما إذا تم الاعتداء دون وجه حق فوجب رد هذا الاعتداء من باب المعاملة بالمثل، ولا يخفى على أحد ما فعله النبى الكريم، صلى الله عليه وسلم، مع اليهود فى المدينة المنورة من أخذ العهود والمواثيق، إذ كان يتعامل معهم بالحسنى والأمانة، ومع ذلك لم يجد منهم الا الغدر والخيانة".

 

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز