البث المباشر الراديو 9090
قداسة البابا تواضروس
ألقى قداسة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، عظته الأسبوعية بالمقر البابوى بالعباسية.

وإلى نص العظة:

بسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين، تحل علينا نعمته ورحمته من الآن وإلى الأبد آمين.

من سفر يونان النبى الاصحاح الثانى (صلاة يونان). فَصَلَّى يُونَانُ إِلَى الرَّبِّ إِلهِهِ مِنْ جَوْفِ الْحُوتِ، وَقَالَ: "دَعَوْتُ مِنْ ضِيقِى الرَّبَّ، فَاسْتَجَابَنِي. صَرَخْتُ مِنْ جَوْفِ الْهَاوِيَةِ، فَسَمِعْتَ صَوْتِي. لأَنَّكَ طَرَحْتَنِى فِى الْعُمْقِ فِى قَلْبِ الْبِحَارِ، فَأَحَاطَ بِى نَهْرٌ. جَازَتْ فَوْقِى جَمِيعُ تَيَّارَاتِكَ وَلُجَجِكَ.فَقُلْتُ: قَدْ طُرِدْتُ مِنْ أَمَامِ عَيْنَيْكَ. وَلكِنَّنِى أَعُودُ أَنْظُرُ إِلَى هَيْكَلِ قُدْسِكَ. قَدِ اكْتَنَفَتْنِى مِيَاهٌ إِلَى النَّفْسِ. أَحَاطَ بِى غَمْرٌ. الْتَفَّ عُشْبُ الْبَحْرِ بِرَأْسِي. نَزَلْتُ إِلَى أَسَافِلِ الْجِبَالِ. مَغَالِيقُ الأَرْضِ عَلَيَّ إِلَى الأَبَدِ. ثُمَّ أَصْعَدْتَ مِنَ الْوَهْدَةِ حَيَاتِى أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهِي. حِينَ أَعْيَتْ فِيَّ نَفْسِى ذَكَرْتُ الرَّبَّ، فَجَاءَتْ إِلَيْكَ صَلاَتِى إِلَى هَيْكَلِ قُدْسِكَ. اَلَّذِينَ يُرَاعُونَ أَبَاطِيلَ كَاذِبَةً يَتْرُكُونَ نِعْمَتَهُمْ. أَمَّا أَنَا فَبِصَوْتِ الْحَمْدِ أَذْبَحُ لَكَ، وَأُوفِى بِمَا نَذَرْتُهُ. لِلرَّبِّ الْخَلاَصُ".

كل سنة وحضرتكم طيبين بمناسبة هذا الصوم المحبوب فى كنيستنا صوم يونان النبى وصوم أهل نينوى الصوم الذى نتبارى فى ممارسته، وهو مقدمة للصوم الكبير الذى يبدأ بعد أسبوعين، تكلمنا سابقًا عن الأسرة والكتاب المقدس، الأسرة والحوار، الأسرة والتدبير، واليوم الحلقة الرابعة الأسرة والصلاة.

ويونان حٌبس داخل جوف الحوت وظل بداخله ثلاث أيام حتى أمر الرب الحوت فقذف يونان إلى البر، وقعدتنا بداخل البيت قد تشبه يونان فى جوف الحوت ومن ضمن الإجراءات الاحترازية التى قمنا بها فى ظل وجود فيروس كورونا كان أهمها هو الجلوس بالمنزل لنقلل التواجد الجماعى لتقليل انتشار الوباء وانتقال العدوى وذلك فى العالم كله وتغير شكل الحياة.

أجمل شيء أن تحول هذا الوقت إلى صلاة وربما سمح الله بانتشار الوباء ليعطى فرصة للإنسان أن يلتقط الأنفاس والإنسان ينتبه إلى خالقه ويعيد النظر فى حياته ويقضى وقت مع إلهه فى هدوء وحب وراحة داخلية.

آباء كثيرين تكلموا عن الصلاة "الصلاة هى رفع العقل إلى الله" "الصلاة التصاق بالله فى جميع لحظات الحياة ومواقفها فتصبح الحياة صلاة واحدة بلا انقطاع ولا اضطراب" الصلاة مصدر وأساس لبركات لا تحصى" " الصلاة مقدمة لجلب السرور" يقول لنا القديس يوحنا ذهبى الفم:" فقدان حياة الصلاة هو فقدان لحياة النفس وهما شيء واحد لا ينفصل" ويقول لنا القديس يوحنا الدرجي: "سر دوام النعمة والفضيلة هو فى دوام الصلاة" ويقول " صلاتك يمكن أن تسندك يوميًا وأنت ترفع قلبك" " لِتَسْتَقِمْ صَلاَتِى كَالْبَخُورِ قُدَّامَكَ".

وأنت تصلى داخل بيتك مع أسرتك وكأنكم ترفعوا بخور وهذا البخور يصل إلى الله مثل البخور الذى يقدم بداخل الكنيسة الذى يرفع صلوتنا إلى السماء، الصلاة فى مسيحيتنا هى حديث حب بين الإنسان والله وهى فرصة محبوبة وهى وقت ليتمتع الإنسان بالحضور الإلهي، وداود النبى يقول " أَمَّا أَنَا فَصَلاَةٌ " أى أن حياته كلها تحولت إلى صلاة وكما تقول عروس النشيد " أَنَا نَائِمَةٌ وَقَلْبِى مُسْتَيْقِظٌ "، والجهاد الروحى فى الصلاة يجعل الإنسان فى حالة روحية مرتفعة فلا توجد نعمة عند الإنسان الذى لا يصلى وتكون الصلاة هى وسيلة الشبع بالله والتأمل فى أعماله وصفاته.

الصلاة شكل من أشكال التسبيح والتسبيح عبارة كلمة ونغمة وهذه النغمة نغمة روحية غير متعبه للنفس وتجد النفس تتهلل مع النغمات كما يقول فى ابصالية السبت "أعطى فرحًا لنفوسنا تذكار اسمك القدوس" ومجرد ذكر اسم الله يجعل هناك فرح داخل الإنسان، لذلك علمتنا الكنيسة أنه من الأشياء التى يمكن أن نفعلها بداخل البيت ونحن مجتمعين كأسرة صلوات الأجبية وقراءة السنكسار والكتاب المقدس وكتب سير القديسين وفى كتاب الابصلمودية ولكن من أكتر الكتب التى تلازم الإنسان يوميًا وعبر ساعات اليوم كتاب الأجبية (صلوات السواعى) وهى مقسمة على مدار اليوم وهى صلوات ممتلئ بالتأملات ورتبها الآباء على مراحل حياة السيد المسيح ولكن يبدأوها بتذكار القيامة فى صلاة باكر، لأن القيامة كانت فجرًا وكأن صلاة باكر كل يوم كأنك تعيد قيامة المسيح كل يوم.

وصلاة الثالثة هى حلول الروح القدس، وصلاة السادسة 12 ظهرًا، نتذكر صليب ربنا يسوع المسيح، التاسعة 3 بعد الظهر نتذكر إنزال جسد المسيح من على الصليب، الغروب الساعة 5 نتذكر فيها دفن السيد المسيح، النوم فى دخول الليل ونسميها (الموت الصغير)، نصف الليل هى ثلاث أقسام وتدور عن الاستعداد للسماء، وصلوات الأجبية مبنية على سفر المزامير الذى واضعه داود النبى وهو أكبر أستاذ فى الصلاة، والله يشهد لداود فتشت قبل داود وجدته شبه قلبى، والأجبية كتاب يعلمك روح الصلاة وتعيش حياة السيد المسيح طوال اليوم وما أشهى ذلك، وشيء جميل أن تكون هناك صلاة تجمع الأسرة داخل البيت لأنك تزرع روح الصلاة داخل البيت وتقدسه فأنت تقطع وقت من الزمن وتجعله مخصوص إلى الله صاحب الزمن.

أولًا: الأجبية تنقل للإنسان روح الإنجيل لأن كل عبارتها مأخوذة من الكتاب المقدس فيصير الإنسان له الطابع الإنجيلى " اَلْكَلاَمُ الَّذِى أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ " أخذ كلامك يأرب وأصلى به لتكون لى الروح والحياة، ومعنا ذلك أنك تعيش مع السيد المسيح تعيش (المعية مع المسيح)، ترافق وتلتصق بحياة السيد المسيح ونسميها الحياة المعاشه فى المسيح.

ثانيًا: صلوات الأجبية تعطينا اليقظة الروحية يكون الإنسان منتبه لنفسه، الأجبية مثل المنبه توقظ الإنسان وتجعل القلب مرتبط بالله باستمرار.

ثالثا: نجد فى الأجبية المشاعر الإنسانية المتعددة "مِنَ الأَعْمَاقِ صَرَخْتُ إِلَيْكَ يَا رَبُّ" "طُوبَى لِلَّذِى يَنْظُرُ إِلَى الْمِسْكِينِ. فِى يَوْمِ الشَّرِّ يُنَجِّيهِ الرَّبُّ" "الرَّبُّ رَاعِيَّ فَلاَ يُعْوِزُنِى شَيْءٌ"، المزامير تعبر عن حياتك وأعماقك وأفكارك وتساعد الإنسان أن يعبر عن مشاعرة الداخلية.

رابعًا: الأجبية لها أهمية كبيرة أنها تقدس اليوم فتصير حياتك مقدسة وتحدث نوع من تقديس العمر، أجعل قلبك دائمًا ملتفت إلى الله ويكون قلبك مصلى وشاكر، وصلوات المزامير تحمى الإنسان من فترات الجفاف والكسل الروحى، وجود صلاة المزامير داخل بيتك وأنتم مجتمعون يصد الأرواح الشريرة ويبعد الأفكار الشريرة، الصلاة تفعل نوع من التطهير والتنقية وتجعل الحياة مستمرة، وصلاة المزامير هى فرصة جميلة أن تشترك فيها الأسرة وتصبح روح الصلاة هى التى تغلب علينا داخل البيت والقديس مارأسحق يقول" جاهد أن تدخل حجرتك الداخلية وسوف ترى حجرة السماء" حجرتك الداخلية هى قلبك ويقولوا لنا فى رفاع الصوم الكبير " فَادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ " المخدع هو القلب، ادخل إلى قلبك وصلى وسوف تتمتع بحلاوة السماء، وكل ما تصلى ترتفع وتصير الأرض أمامك صغيرة ويصير فكرك وطموحاتك سماوية وتربى أولادك بطريقة السماء فيصير لهم مكان فى السماء.

ويجب أن يكون لكل فرد فى الأسرة كتاب أجبية ويجب أن نصلى بصوت مسموع ونتشارك الصلوات ويمكن أن يكون أمامك شمعة مضائه تعطيك روح الخشوع ويمكن أن نقوم بعمل سجدات أو مطانيات واذا كان هناك فرد تعبان يمكن أن يصلى وهو جالس وتضع البنات غطاء على الرأس لندخل فى روح الصلاة، المرنم يقول لنا "سَبْعَ مَرَّاتٍ فِى النَّهَارِ سَبَّحْتُكَ" كتاب الأجبية بنى على هذا الأساس فيصبح أسلوب حياة.

يمكن أن نحدد وقت فى اليوم لصلاة المزامير وممكن أن نختار مزمور ونقرأ تفسيره لنصلى بفهم وغير مهم الكمية ولكن مهم النوعية وأن أصلى بفهم "قليلً دائم خير من كثير متقطع" ويكون هناك تدرج ونمو فى الصلاة، وصلى المزامير بروح الفرح وهى تجلب لك الفرح، والصلاة الجماعية تفرح النفس، ويمكن أن نحدد ركن فى المنزل للصلاة وبه أيقونة جميلة ونضع فيه كتاب مقدس وكتب الأجبية وكتاب ترانيم.

ويمكن أن نتدرب أن بعد أن نصلى نظل صامتين لمدة دقيقتين ونسميها (صلاة الصمت) أو ساجدين وتخرج الصلاة من قلب الإنسان، وحاول أن لا يكون هناك تشتيت ويمكن أن تغلق التليفون، الصلاة تحتاج هدوء وسجود ودموع وصمت لا تكسل أو تتشتت، عود نفسك على روح الصلاة إلا تكون غريبًا فى السماء، درب نفسك منذ الآن وعيش فى روح الصلاة وسوف تجد الفرح يدخل قلبك ويملئ حياتك بالتهليل، (الكسل يجيب الكسل والنشاط يجيب نشاط)، لا تتكاسل... ما أمتع الوقوف فى الحضرة الإلهية والقديس أثناسيوس الرسولى يقول "التسابيح بالمزامير دواء لشفاء النفس" والقديس مارأسحق يقول لنا "ليكن لك محبة بلا شبع لتلاوة المزامير لأنها غذاء الروح" القديس نيلوس السينوى يقول "داوم على تلاوة المزامير لأن ذكرها يطرد الشياطين".

عناصر الصلاة: فيها الشكر وفيها طلب الرحمة والتوبة والتمجيد والتسبيح مثل الوجبة المتكاملة جرب ومارس واشترك وعيشوا فى روح الصلاة واستمتعوا بها وسوف تجد حياتك ممتلئا بالتهليل.

يونان النبى دخل الحوت وصلى وأجمل ما فى هذه الصلاة أنها صلاة فيها روح الرجاء "دَعَوْتُ مِنْ ضِيقِى الرَّبَّ، فَاسْتَجَابَنِى" ونحن فى ضيقة بسبب انتشار الوباء، صَرَخْتُ مِنْ جَوْفِ الْهَاوِيَةِ، فَسَمِعْتَ صَوْتِى " ويقول "حِينَ أَعْيَتْ فِيَّ نَفْسِى ذَكَرْتُ الرَّبَّ، فَجَاءَتْ إِلَيْكَ صَلاَتِى إِلَى هَيْكَلِ قُدْسِكَ" كان لديه رجاء، "اَلَّذِينَ يُرَاعُونَ أَبَاطِيلَ كَاذِبَةً يَتْرُكُونَ نِعْمَتَهُمْ " أجلس مع نفسك وقسم أفكارك وأعرف كم يخص التراب وكم يخص السماء واحذر أن يكون ما يخص التراب أكثر مما يخص السماء.

روح الصلاة هى التى تزيد الفكر فى الحياة السماوية، استغل وقتك وصحتك وأجعل أسرتك فى هذه الصورة الجميلة "أَمَّا أَنَا فَبِصَوْتِ الْحَمْدِ أَذْبَحُ لَكَ، وَأُوفِى بِمَا نَذَرْتُهُ. لِلرَّبِّ الْخَلاَصُ" صلاة مليئة بالرجاء والأمل، ونحن فى اليوم الثالث من صوم يونان ونعيش مع يونان بداخل الحوت ونعرف روح الصلاة الجميلة التى يمكن أن نمارسها ونعيش بها بداخل البيت ومع الأسرة، المسيح يبارك حياتكم جميعًا ويحفظكم فى اسمه القدوس، لإلهنا كل مجد وكرامة من الأن وإلى الأبد آمين.

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز