البث المباشر الراديو 9090
هيومان رايتس ووتش
تتهرب منظمة "هيومان رايتس ووتش" دائمًا من الإجابة على هذا السؤال.. لماذا تضم فى مجلس إدارتها ضباطًا سابقين فى المخابرات المركزية الأمريكية "CIA"؟..

فى شهر مارس من العام 2015 ، شن الحائزان على جائزة نوبل مايريد ماجوير وأدولفو بيريز، ومعهما أكثر من 100 شخصية دولية وأكاديمية مرموقة، هجومًا حادًا ولاذعًا على المنظمة الأمريكية الأشهر فى مجال حقوق الإنسان حول العالم، وذلك فى خطاب تم توجيهه إلى كينيث روث، مدير المنظمة، حيث وثّق الخطاب العديد من التجاوزات الخاصة بأداء تلك المنظمة، التى تدّعى الحيادية والشفافية.

كان على رأس هذه الاتهامات، وقوع المنظمة تحت تأثير الحكومة الأمريكية وخدمة توجهاتها، حيث استعرض الخطاب العديد من الحالات الواضحة لهذا التأثير، إذ تمت الإشارة إلى ازدواجية المعايير وغض الطرف عن الانتهاكات الحقوقية الأمريكية التى أدت، كما يشير الخطاب، إلى انتهاكات عنيفة وخطيرة خاصة بحقوق الإنسان، دون أى إشارة أو إدانة من تلك المنظمة لذلك.

ذراع المخابرات الأمريكية

أعطت الرسالة أكثر من دليل على الأدوار المشبوهة التى قامت بها تلك المنظمة، لخدمة السياسة الأمريكية الخارجية، حيث تجاهلت متعمدة الجرائم الأمريكية فى هاييتى، حينما اختطفت الولايات المتحدة، الرئيس الهاييتى، وتسبب التدخل الأمريكى عام 2004 فى مقتل الآلاف، وكذلك شهادات شهود العيان التى أوردتها صحف دولية مثل مجلة "دير شبيجل" الألمانية وقناة الـ"بى بى سى"، حول ما اقترفته وكالة الاستخبارات والقوات الأمريكية من فظائع وجرائم تعذيب واحتجاز قسرى فى "قاعدة باجرام" الجوية فى أفغانستان، وكذلك فى السجون السرية التابعة للولايات المتحدة خارج أراضيها، مثل تلك السجون التى كانت موجودة على الأراضى الصومالية.

وكشفت الرسالة عن عمليات انتقال موظفى الإدارة الأمريكية والمخابرات وحلف الناتو إلى مجلس إدارة المنظمة، ومنهم الموظفان توم مالينوفسكى Tom Malinowski وميجيل دياز Miguel Diaz، العميلة السابقة فى "CIA" وغيرهما، وربطوا بين عمل تلك المؤسسات فى الدفاع عن سياسة الولايات المتحدة وبين سلوك تلك المنظمة.

كما أشار الخطاب إلى وجود خافيير سولانا فى مجلس إدارتها بعد تركه منصب سكرتير عام حلف شمال الأطلنطى (الناتو)، وقيادته لضربات الحلف ضد يوغوسلافيا، والتى وقع فيها ضحايا من المدنيين ومرت دون تحقيق، وهو الأمر الذى يفرض تساؤل مشروع آخر عن مدى ملائمه شخصية كانت تقود حلف عسكرى ليقوم بادارة منظمة تدعى حماية حقوق الانسان، المسارات متعارضة، وهو ما يعزز الشكوك حول ادارتها بشكل عسكرى واستخبارتى ينفذ اجندة معينة تخدم السياسة الخارجية للولايات المتحدة الامريكية وحلفائها.

دعمها للربيع الإخوانى

كما انتقد موقعو الخطاب، ليس فقط تجاهل المنظمة لانتقاد هجمات الحلف ضد سوريا، التى أدت إلى مقتل المدنيين السوريين، وكذلك المدنيين فى ليبيا، خلال حملة الحلف الجوية ، كما اعربوا عن دهشتهم من قيام أعضاء المنظمة بمدح السياسات الأمريكية وحلف الناتو بدعوى أنها تخدم "الربيع العربى".

وطالب الموقعون على الخطاب، المنظمة، بتصحيح مسارها، وإبعاد خافيير سولانا عن مجلس إدارتها، ووقف سياسة "الباب الدوار" لتوظيف رجال المخابرات الامريكية فيها ، وبدء التحقيق فى التجاوزات التى ارتكبت فى عهد إدارة الرئيس جورج بوش، فيما يخص حقوق الإنسان.

وكان جواب المنظمة المعتاد على رسالة الفائزان بنوبل هو الصمت التام.. كأن شيئًا لم يكن.

مكافحة الشيوعية

الحديث عن علاقة الهيومان رايتس ووتش بالمخابرات الأمريكية ليس بالجديد، فهى تأسست عام 1978، فى حقل بذوره كانت نابعة من شبكة الاستخبارات الأمريكية "سى آى إيه"، وكانت تسمى آنذاك "لجنة مراقبة اتفاقيات هلسنكى"، ومهمتها الأساسية مراقبة مدى امتثال دول الكتلة السوفيتية للأحكام المتعلقة بحقوق الإنسان فى الاتفاقية، وبطريقة او بأخرى انتشرت فى أنحاء أخرى من العالم فى ظل "موضة" انتشار منظمات حقوق الإنسان، لتحاصر دول الكتلة الشرقية والشرق الأوسط وآسيا، للوقوف ضد أى نظام سياسى قد يميل إلى سياسات الاتحاد السوفيتى، ثم توحدت جميع اللجان عام 1988 فيما بات يعرف بمنظمة مراقبة حقوق الإنسان.

كانت مهمتها الخفية مكافحة الشيوعية خلال الحرب الباردة بطريقة مبتكرة، وهى تبنى خطاب انسانى جذاب يتحدث عن الحقوق والحريات، حظى باهتمام إعلامى كبير وواسع، جعلها أداة مهمة من أدوات السياسة الخارجية الأمريكية، خاصة مع تصاعد اشتباكها مع قضايا حقوق الإنسان، سواء المتعلقة بالتعذيب أو اعتقال معارضى الأنظمة الشيوعية.

وتتخذ المنظمة من نيويورك مقرًا دائمًا لها، وتتبع لها مكاتب فى لندن وبروكسل وموسكو وسان فرانسيسكو وهونج كونج وواشنطن ولوس أنجلوس، وتقيم مكاتب مؤقتة عند الضرورة، كما أنها فى بعض الدول، لا تمتلك لا مكتبًا ولا تمثيلًا وتعمل سرّا دون تصاريح، مثلما هو الحال فى مصر، الأمر الذى يجعل تقاريرها، غير المبنية على وثائق رسمية، مشبوهة ومغلوطة.

عمى أم تعامٍ

كانت مهمتها الدائمة فى مصر حماية الإخوان المسلمين ومعتقلى تيارات الإسلام السياسى، وكانت هى من أطلقت عليهم "المعارضة"، رغم ارتكابهم لأعمال إرهابية صريحة، وكثيرًا ما كانت تشكك فى تحريات النيابة العامة والأحكام القضائية الصادرة بحق هؤلاء، رغم انها تعلم جيداً أن تنظيم الإخوان الإرهابى هو الحاضن الرئيسى لكل الجماعات الإرهابية فى مصر والعالم.. هو صاحب بذرة التكفير والعنف باسم الدين، ومنه تفرعت الجماعات الإسلامية العنيفة، حتى وصلنا إلى القاعدة وأنصار بيت المقدس.. وكلها جماعات تهدد حياة الإنسان وأمن المجتمعات.

اتضح ذلك بشكل أكثر حدة وفجاجة خلال نظر قضية اتهام الرئيس الإخوانى المعزول محمد مرسى بالتخابر، حيث أصدرت سارة واتسون، المسؤولة عن الشرق الأوسط فى المنظمة بيانًا رسميًا، قالت فيه إن الاتهامات الموجهة لمرسى فى قضية التخابر "خيالية"، قبل ظهور أدلة الاتهام أو بدء إجراءات التقاضى.. ولأن الموقف غريب، تعرضت لأسئلة محرجة لم تجب عليها كالعادة مثل: لماذا قررت الافتئات على القضاء المصرى صاحب الكلمة الفصل فى القضية؟ وهل موقفها نابع من قلق الخارجية الأمريكية؟ وهل هذا عمل حقوقى أم سياسى.. وكيف يمكن أن ننسى تهديد الإخوان بحرق مصر إذا لم يُعلن فوز مرسى بالرئاسة؟ أو ننسى إخراجه للإرهابيين من السجون؟ كيف ننسى ما حدث فى الاتحادية؟ كيف ننسى تهديد مرسى لمعارضيه بالدماء فداء لشرعيته الزائفة؟ كيف ننسى تهديد خيرت الشاطر للفريق أول عبد الفتاح السيسى بالفوضى فى حالة الخروج على مرسى؟ كيف ننسى وعد البلتاجى للمصريين بوقف ما يحدث ضد الجيش فى سيناء إذا عاد مرسى للحكم؟ كل هذه الأسئلة تنويعات على لحن أساسى هو "إما نحكمكم أو نقتلكم"..

الحلقة القادمة

هل كانت هيومان رايتس ووتش تحمى الإرهاب فى الشرق الأوسط؟

 

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز


اقرأ ايضاً