البث المباشر الراديو 9090
مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء
ذكر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، أن الأموال المستثمرة فى تحسين قطاع النقل تُعد ذات فائدة اقتصادية وليست أموالًا مهدرة، فقد تبين أن التكلفة الإضافية لبناء بنية تحتية مستدامة للنقل مقبولة بمقارنتها بالخسائر المناخية التى يمكن تقليلها.

جاء ذلك فى التحليل الذى أصدره مركز المعلومات، سلط من خلاله الضوء على أبرز خطوات الطريق نحو النقل المستدام والمرن وفرص تحقيق ذلك الهدف والتحديات التى تواجهه، وتأثير انبعاثات قطاع النقل على الاحتباس الحرارى، والآثار الناجمة عن هذه الانبعاثات، مع استعراض الفرص الاقتصادية الناتجة عن النقل المستدام والتدابير اللازمة لتعزيز مرونة واستدامة هذا القطاع.

وأوضح المركز أن كل دولار يُستثمر فى البنية التحتية المستدامة للنقل فى الدول منخفضة ومتوسطة الدخل يدر 5.2 دولار، كما أن صافى الفائدة الإجمالية للاستثمار فى تعزيز البنية التحتية للنقل فى الدول النامية سيكون 4.2 تريليون دولار على مدى عمر البنية التحتية الجديدة، بفضل ما تحققه البنية التحتية المستدامة من عدد أقل من الاضطرابات وبالتالى تقليل العواقب الاقتصادية، كذلك يلعب النقل دورًا محوريًّا فى أجندة التنمية، ما يسهل الوصول إلى فرص العمل، والتعليم، والصحة، والخدمات الاجتماعية، والأسواق المحلية والإقليمية والعالمية، كذلك توجد روابط واضحة بين الحد من الحواجز التى تعترض النقل وتخفيف حدة الفقر، لهذا فربما نحتاج إلى إعادة تصميم وسائل النقل وتحديثها وتغييرها لتلبية المتطلبات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.

وأشار إلى أن أكثر من نصف سكان العالم يعيشون فى المناطق الحضرية، والتى أصبحت تنمو بدرجة متسارعة فى الدول منخفضة الدخل، وهذا النمو عادة ما تصاحبه زيادة مطردة فى انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى الناتجة عن قطاع النقل والمواصلات، والتى أصبحت الآن أحد أهم القطاعات التى تؤثر سلبًا على تغيرات المناخ وترفع الضغط على أنظمة البنية التحتية.

وأثبتت الدراسات فى الوقت الحالى أن تطوير البنية التحتية لقطاع النقل يتيح النمو الشامل والمستدام للمدن، ويحد من التأثيرات الحالية والمستقبلية لتغيرات المناخ، كما أكدت الدراسات أن البنية التحتية للنقل معرضة لتأثيرات الظواهر الجوية المتطرفة وتغيرات المناخ، فمن الممكن أن تجرف الفيضانات الطرق والجسور وتقطع سلاسل الإمداد، ويمكن أن تعطل العواصف خدمات النقل، وتفصل المجتمعات المحلية عن الخدمات الضرورية، ويمكن لموجات الحر أن تُحدِث خللًا فى خطوط السكك الحديدية، وبناءً على ذلك، يجب أن تكون وسائل النقل أكثر استدامة ومرونة للحد من العواقب الاجتماعية والاقتصادية لعدم تشغيل خدمات النقل، ومن ثم فمن الضرورى إعادة التفكير فى كيفية استمرار عمليات النقل بشكل يحقق التنمية الاقتصادية والاستدامة البيئية.

وعن تأثير انبعاثات قطاع النقل على الاحتباس الحرارى، ذكر التحليل أن الطلب يزداد على النقل مع تطور الاقتصادات وتحضرها والزيادة السكانية فيها، فمن المتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى 8.5 مليار بحلول عام 2030، ونتيجة لذلك من المتوقع أن تنمو حركة الركاب السنوية بنسبة 50%، بينما من المتوقع أن ينمو حجم الشحن العالمى بنسبة 70% خلال الفترة نفسها، وتمثل الانبعاثات الناتجة عن النقل حوالى 24% من إجمالى انبعاثات الغازات الدفيئة المرتبطة بالطاقة فى العالم، ومع الوتيرة السريعة للتحضر والميكنة فى الدول النامية، يمكن أن تزداد هذه النسبة إلى حوالى 60% بحلول عام 2050، إذا لم يتم اتخاذ أى إجراءات جادة لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة.

كذلك يعد قطاع النقل أكبر مساهم فى انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى (GHG)  فى الاتحاد الأوروبى، حيث يمثل حوالى 28% من إجمالى الانبعاثات، وعلى عكس العديد من الصناعات الأخرى التى تتخذ خطوات تدريجية لتقليل انبعاثاتها بشكل فعال، يواصل قطاع النقل النمو بنحو 0.8% طن مترى من مكافئ ثانى أكسيد الكربون (MtCO2e) كل عام، وتساهم سيارات الركاب بنسبة كبيرة فى هذه الانبعاثات، ويرجع ذلك إلى أن قطاع النقل يعتمد بشكل شبه كامل على الوقود الأحفورى، فقد مثل استهلاك قطاع النقل من الطاقة حوالى 95% من الطاقة الناتجة عن الوقود الأحفورى فى عام 2019، وفقًا لبيانات تقرير الوكالة الدولية للطاقة (IEA) الصادر بعنوان (Energy Technology Perspectives 2023).

وأضاف المركز- فى تحليله- أنه على الرغم من انخفاض انبعاثات ثانى أكسيد الكربون بمقدار ثلاثة أرباع فى سيناريو التنمية المستدامة لوكالة الطاقة الدولية لعام 2070، فإن الانبعاثات من هذه القطاعات الفرعية فى الشكل السابق ستظل أكبر مساهم فى الانبعاثات المتعلقة بالطاقة فى قطاع النقل لعام 2070، وهنا تجدر الإشارة إلى أن ثلثى تخفيضات الانبعاثات المقترحة فى هذا السيناريو يأتيان من تقنيات لم تتوفر تجاريًّا بعد، مما يجعل إزالة الكربون من قطاع النقل مهمة صعبة خلال نصف القرن القادم.

وفيما يتعلق بالآثار الناجمة عن انبعاثات قطاع النقل.. ذكر تحليل مركز المعلومات أن تغيرات المناخ تسبب أضرارًا مباشرة تلحق بالبنية التحتية للنقل جراء الكوارث الطبيعية، والتى تقدر بحوالى 15 مليار دولار أمريكى سنويًا .

وأوضحت بيانات البنك الدولى أن حجم تكلفة الأضرار المباشرة التى تلحق بالبنية التحتية للنقل من الكوارث الطبيعية الناجمة عن تغيرات المناخ قدرت بحوالى 15 مليار دولار سنويًا، وتشمل هذه الأضرار ضعف الرعاية الصحية، والوفاة، وتعطل الاقتصادات، فعلى سبيل المثال، خلال الفترة من 1990 إلى 2019 كان هناك أكثر من ألف كارثة ناجمة عن المناخ فى منطقة جنوب آسيا، أثرت هذه الكوارث على أكثر من 1.68 مليار شخص، وقتلت ما يقدر بنحو 267 ألف شخص وتسببت فى أضرار تزيد على 127 مليار دولار أمريكى، وبالإضافة إلى ذلك، فإن حوالى 800 مليون شخص فى المنطقة وهو ما يعادل (44% من إجمالى سكان منطقة جنوب آسيا) يعيشون فى مواقع يُتوقع أن تصبح بؤرًا مناخية شديدة بحلول عام 2050، كذلك من المتوقع أن حوالى 62 مليون شخص سيتم دفعهم تحت خط الفقر المدقع فى حالة عدم اتخاذ إجراءات مناخية جادة بحلول عام 2030، وتتحمل الدول منخفضة ومتوسطة الدخل حوالى 60% من التكلفة الإجمالية لهذه الكوارث، ومن ثم يُعد بناء بنية تحتية صديقة للبيئة بقطاع النقل أمرًا ضروريًّا.

كما تؤثر انبعاثات النقل (الجسيمات 2.5- PM2.5) و(الجسيمات 10- PM10)، وأكاسيد النيتروجين (NOX)، وثانى أكسيد الكبريت (SO2)، وأول أكسيد الكربون (CO)، وغيرها، على صحة البشر؛ حيث يعد قطاع النقل أكبر مساهم عالميًّا فى انبعاثات الجسيمات الدقيقة، ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بزيادة الإصابة بأمراض الجهاز التنفسى والقلب والرئة والعديد من أشكال السرطان.

ويعد قطاع النقل أيضًا المساهم الرئيس فى انبعاثات ثانى أكسيد الكربون، فيقلل من كمية الأكسجين التى تصل إلى أعضاء وأنسجة الجسم، ما يؤدى إلى تفاقم أمراض القلب، وقد أشارت أحدث نتائج "قاعدة بيانات تلوث الهواء المحيط الحضرى العالمية" الصادرة عن منظمة الصحة العالمية (WHO) إلى أن 98% من المدن فى الدول منخفضة ومتوسطة الدخل التى يزيد عدد سكانها على 100 ألف نسمة لم تلتزم بإرشادات جودة الهواء لمنظمة الصحة العالمية، ويساهم تلوث الهواء المحلى فى 2.9 مليون حالة وفاة مبكرة سنويًّا على مستوى العالم- ويتركز أكثر من 85% منها فى الدول منخفضة ومتوسطة الدخل.

ونوه بأنه رغم تريليونات الدولارات التى يتم استثمارها فى البنية التحتية للنقل كل عام، والتى تساعدنا فى نقل بضائعنا، فإن الأمر لا يزال يتطلب تطوير استثمارات النقل بشكل يدعم خفض صافى الانبعاثات الكربونية، فوفقًا لتوقعات البنية التحتية العالمية (The Global Infrastructure Outlook) الصادرة عن شركة (Oxford Economics)، ستكون هناك حاجة ملحة إلى استثمار أكثر من تريليونى دولار فى البنية التحتية للنقل كل عام حتى عام 2040 لدعم التنمية الاقتصادية المستدامة.

وكشف أحدث تقارير الهيئة الحكومية الدولية (IPCC) المعنية بتغيرات المناخ عن أن متوسط تدفقات الاستثمار فى النقل يجب أن يزيد بسبعة أضعاف على الأقل حتى عام 2030، لإزالة الكربون من القطاع ككل، وسوف تكون الدول النامية أكثر الدول احتياجًا لهذه الاستثمارات، ويرجع ذلك إلى أن الدول النامية لديها موارد محدودة لحماية البنية التحتية للنقل من مخاطر الكوارث المتزايدة.

أما بخصوص التدابير اللازمة لتعزيز مرونة واستدامة قطاع النقل.. أوضح مركز المعلومات أن الاضطرابات الناجمة عن جائحة (كوفيد-19) قد كشفت عن الحاجة المُلحة إلى زيادة الاستثمار فى البنية التحتية والخدمات الذكية والصديقة للبيئة والمرنة للنقل، نظرًا لأنه من المقرر أن تلعب البنية التحتية دورًا رئيسًا فى الانتعاش الاقتصادى العالمى.

وأبرز التحليل أهم السياسات التى تؤدى دورًا حيويًّا فى تعزيز كفاءة ومرونة واستدامة قطاع النقل، منها الاستثمار فى النقل العام عالى الجودة، وخفض انبعاثات النقل، عن طريق المبادرات التى تهدف إلى اعتماد تقنيات أكثر كفاءة، والانتقال إلى المركبات منخفضة أو معدومة الانبعاثات، كذلك اعتماد تقنيات حديثة ووقود أنظف، وتوسيع استخدام وسائل النقل عديمة الانبعاثات، مثل: الدراجات الهوائية السكوتر الكهربائى، وغيرها.

ومن السياسات أيضا تعزيز استخدام التقنيات الرقمية وتحليلات البيانات لتحسين المسارات، مما يساهم فى تقليل الانبعاثات، كذلك إنشاء مدن مدمجة (مدن تهدف إلى تقليل الاعتماد على السيارات، وانبعاثات ثانى أكسيد الكربون CO2، مستويات استهلاك الطاقة، عن طريق إتاحة جميع الخدمات لتكون قريبة للمواطن، وتعزز من المساحات الخضراء)، أيضًا تحفيز السلوكيات الخضراء للشركات والأفراد، وأخيرا تعزيز إمكانيات إجراء الأعمال عن بُعد، مثل العمل عن بُعد، أو التسوق الإلكترونى الذى بدوره يساهم فى خفض معدلات الانبعاثات الناتجة عن النقل.

وذكر المركز- فى تحليله- أنه يجب على الدول تعزيز استدامة قطاع النقل وتوسيع إطار العمل ليشمل تلك السياسات والبرامج الاستثمارية التى تدعم تحسين واستدامة القطاع لتمكين النمو الاقتصادى بها، وذلك من خلال تقديم الدعم للحكومات والسلطات المحلية فى القطاعين العام والخاص لاتخاذ قرارات مستنيرة بشأن معالجة تغيرات المناخ، وتسخير الفرص المحتملة لإنشاء أنظمة نقل مستدامة تمكِّن من النمو الشامل المستدام وسط التطور الحضرى والاتجاهات الديموغرافية المتطورة.

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز