البث المباشر الراديو 9090
جابر عصفور
حالة من الجدل الشديد انتشرت وسط الشباب على مواقع التواصل الاجتماعى عقب إقرار تونس لقانون يقضى بمساواة المرأة مع الرجل فى الميراث، فذهب قطاع عريض من الشباب إلى رفض القانون، بينما رحب قطاع آخر بالمشروع.

وأمام حالة الجدل بين المؤيدين والمعارضين، التقى "مبتدا" الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، لمناقشته بشأن تفاصيل فكرة المساواة فى الإرث من الناحية الدينية بكامل جوانبها، غير أنه فجَّر فى حواره الكثير من المفاجآت بشأن فهم الآية الكريمة لقوله تعالى "يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين".

وفيما يلى نص الحوار:

كثر الحديث خلال الآونة الأخيرة على ما أقرته تونس بالمساواة فى الميراث.. فما رأيكم؟

فى الواقع أنه وفقًا للمستجدات وفقه الواقع، فإن مكانة المرأة أصبحت مثل الرجل ولا فرق بينهما، والقرآن صالح لكل زمان ومكان بتطور الفقه والتفسير، وبالتالى أوافق على المساواة فى الإرث لأنها صحيحة شرعًا وفقهيًا.

والمبدأ العام أن مكانة المرأة تغيرت، ولابد أن يتغير كل ما يتصل بها كى يتناسب مع مكانتها الجديدة، وعلاقة المرأة والرجل أصبح قوامها المساواة فى الحقوق والواجبات، فولاية المرأة لم تعد بالمعنى القديم، فأصبحنا وزيرات ورجال أعمال، والإسلام وضع أسس لذلك، فسمح لها بوضع حسابات بنكية خاصة بها، وبما أن سماحة الإسلام كرمت المراة بالتالى يصبح من حقها المساواة فى الإرث.

البعض يرى أن ذلك الاجتهاد يصطدم مع النصوص الثابتة بالقرآن.. ما رأيك؟

الاجتهاد بالمساواة فى الإرث لا بد أن نتقبله بصدر رحب، مثلما تم إلغاء ملك اليمين، بالرغم أنه موجود فى نصوص القرآن، العالم يتغير وبالتالى تتغير معها مفاهيم الشريعة، وتغير الحياة وتقدمها بتغير طريقتنا فى فهمنا للنصوص، حتى النصوص القرآنية، فنحن لا نطبق اليوم قطع يد السارق والسارقة، واجتهاد أحد العلماء قياس على هذا النوع من المتغيرات، وما يسمى بفقه المستحدثات، والمرأة أصبحت تمتلك مكانة الرجل والدستور ينص على ذلك.

غير أن اجتهاد المساواة بما فيها ما أقرته تونس لا يلزم المورث، فترك الحرية إما بتوزيع الإرث مناصفة، أو وفقًا للآيات القرآنية، فالعملية ليست بها جبرًا لأحد.

بعض المؤسسات الدينية رفضت المساواة بالتأكيد على مخالفته للشريعة.. فما ردك؟

أوافق على المساواة، ولو بنتى، رحمة الله عليها، كانت على قيد الحياة لطلبت بمساواتها بأخيها، فكلاهما أساتذة بالجامعة، ولا فرق بينهما، فالمساواة ليست مخالفة لنصوص الشريعة، غير أن النصوص ليست جامدة، وتسمح بالمرونة الفقهية، فضلًا عن أن هناك مدارس فقهية عقلانية تسمح بالاجتهاد، وأخرى ترفض أى شكل من أشكال الاجتهاد.

لا يوجد ما يمنع أن يكون هناك مسلم معاصر، يأخذ متغيرات العصر ويطبقها، مثل نسخ الآيات المرتبطة بما ملكت أيمانكم، وكذلك مباح لنا تعدد الزوجات، ولكننا لا نتزوج بالأربعة فظروف الحياة وقسوتها لا تسمح بذلك.

وقطعية الدلالة والثبوت يمكن لبعضها أن تنسخ لتغير العصر، مثلما فعل عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، فى عام "الرمادة"، عندما لغى نص قطع يد السارق، فليس هناك قطعى الدلالة بشكل مطلق، الإسلام نفسه أمرنا بالاجتهاد، وهناك إثابة على الاجتهاد نفسه سواء كان صواب أو خطأ.

والآية القرآنية تقول "يوصيكم" ولم يقل يأمركم، يوصيكم لغويًا لا تعنى أمركم، مثل الوصاية بالصلاة والصبر والصوم، وبالتالى ترك الصلاة أو المقصر فيها ليس بكافر، فهناك فرق بين التوصية والأمر، ربنا بيوصى عباده، ونحن فى ضوء تلك الوصاية نعمل بها على حسب مقتضيات العصر، إما نأخذها حرفية بمعنى الأمر، أو نأخذها بدلالتها ونقر المساواة، وفى ضوء الاجتهاد بقوله يوصيكم، ولم يقل لو طبقنا المساواة سنكون جميعًا كفارًا، فضلًا على أن المولى، عز وجل، أوصى بأمور كثيرة، ولكننا لا نفعلها من باب التقصير.

أحكام المواريث.. حق أم واجب؟

الميراث فى حد ذاته حق، وعندما نقرأ حالات الميراث الأخرى ستجد المرأة تأخذ أكثر من الرجل، ومع ذلك فأن المسألة بما أنها وصية نتركها لحريات الأفراد ورغبات المورث، ومن حق المورث أن يوصى بثلث التركة، وبالتالى المرأة يمكن أن تأخذ نفس نصيب الرجل، وهذا الأمر موجوب شرعًا.

ويرفض الأزهر الاجتهاد والتجديد، ولم يتطور مع الحياة، فهناك فرق شاسع بين محمد عبده والقائمين على صنع القرار بالمؤسسة، فهو لا يميل لإعمال العقل، والشيخ المجدد عنده ميراث من السلاسل تجعله لا يستطيع التحرك، فلو اجتهد سيُقابل بالرفض بعبارات عدة أبرزها أن اجتهاده ضد الشرع والسنة، غير أن هناك قاعدة صريحة تنص على أن تكون مصلحة الجماعة ثم شرع الله.

هل تلك الدعوات تجديد أم تبديد؟

تجديد وليس تبديد، فالتجديد دائمًا صعب ولا تتقبله المؤسسات الدينية بصدرٍ رحب، ففكرة الدعوة للتجديد لا تتقبله تلك المؤسسات، فشرع الله دائمًا مع مصلحة الجماعة، وأنا لا أرى أى تناقض، فالمسألة بالاختيار، ومن حق المورث أن يتصرف فى ثلث التركة، فلا مشكلة فى المطلب، وعلينا أن نتحرك بالعقول نحو التجديد والتطلع لمستجدات العصر، فالأحكام المقررة فرضت من حق المورث أن يوصى بثلث التركة، فالوصاية تقبل الأحاديث والنقاش، وقوله تعالى "للذكر مثل حظ الأنثيين" كان لاعتبارات موجودة وقت نزول القرآن، ولكن الآن مع تطور العصر والواقع، أصبح كل أشكال التمييز بين الرجل والمرأة مرفوضًا.

وعلى المؤسسات الدينية أن تتطور مع الزمن والعصر، وليس من المقبول أن نتعامل مع المرأة فى الوقت الراهن بنفس نظرة أيام صدر الإسلام، فالحديث القائل "ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" لا يتماشى مع الوقت الراهن، فهناك ميركل تحكم أكبر دولة صناعية، وتوجد 7 وزيرات فى الحكومة المصرية.

بعض الدعاة يحاول الانتقاص من مكانة المرأة فى حين أن القرآن الكريم مدح ملكة سبأ.. كيف ترى ذلك؟

ذلك يؤكد أن هناك فهمًا خاطئًا لنصوص القرآن.. بالفعل القرآن الكريم مدح ملكة سبأ، والبعض يحاول أن يحصر المرأة فى مناطق محدودة، تخالف تعاليم الشرع الذى كرم المرأة فى مجملها، وسؤلك يبرهن على أن الأزمة الحقيقية فى العقول التى لا ترغب فى التجديد، لارتباطهم بالمصالح، فالتغيير على غير المعتاد، والعادة والراحة مألوفتان، والتغيير صعب على من لا يحبه، وبعدها يرفع شعار التبرير بعبارات فضفاضة تفتح أبواب المجادلة التى لا تنتهى.

بحسب قولك.. استمرار الوضع وعدم تحرير العقول هل له مخاطر؟

طبعًا.. ويؤدى عدم تحرير العقول إلى التخلف عن ركب الحضارة، وينتهى الأمر إلى اصطدام المؤسسات الدينية مع المجتمع المعاصر، بسبب مخالفة أحكام السنة، التى تؤكد قاعدة إذ حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر، فالاجتهاد أمر شرعى دلت عليه نصوص الشريعة من أحكام القرآن الكريم والسنة النبوية، وهناك أجر وثواب على من يخطئ فى الاجتهاد، الأمر الذى يتضح معه حرص الشريعة على الاجتهاد، لدرجة مكافأة من حاول الاجتهاد حتى لو أخطأ.

ما هى رسائلك للأصوات الرافضة؟

علينا أن نوجه لها رسائل بطرق مباشرة وغير مباشرة، ولو استمر الجمود سنجد أن الحياة العملية فارضة نفسها دون الاهتمام كثيرًا بما تقوله أو تنادى به المؤسسات الدينية، مثل العادات الخاطئة التى تنتهجها بعض القرى بعدم توريث الفتيات، فغياب التجديد يدفع إلى تنامى الظواهر والعادات الخاطئة فى المجتمع.

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز


اقرأ ايضاً